طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

التكييف الشرعي لصندوق الضمان الاجتماعي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (1442)

 

السيد/ رئيس مجلس إدارة الجمعية الليبية للمتقاعدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة، وبعد:

فبالإشارة إلى مراسلتكم ذات الرقم الإشاري: (46/2013)، المصدرة بـ[وقفة لصدور القانون رقم (16) لسنة 2013م بشأن إلغاء المادة (46) من قانون الضمان الاجتماعي]، والمتضمِّنة لملاحظات حول الفتوى الشرعية الصادرة من دار الإفتاء الليبية، برقم: (933)، وبتاريخ: 2013/2/21م، والمتعلقة ببيان حكم غرامة التأخير.

عليه؛ فيمكن إجمال الملاحظات على الفتوى في النقاط التالية:

1-                         أن الفتوى جانبها الصواب حسب قولكم، حيث جاءت مقتضبة دون تفصيل، لأن الغرامة صادرة بقانون، ولا مجال لإبرام العقود بشأنها، وهي ليست قرضًا، أو مبلغًا ماليا مستحقًّا من جهة العمل للصندوق، وإنما هو اشتراك ضماني مقرر بقوة القانون، فغرامة التأخير هي بمثابة عوائد استثمار للمبالغ التي يتعين سدادها.

2-                     الاحتجاج بفتوى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف بإباحة الفوائد البنكية، وقد أكد هذه الفتوى شيخ الأزهر محمد السيد طنطاوي.

3-                      الاحتجاج بصدور قانون مدني بغرامة التأخير.

        هذه هي جملة الملاحظات التي أوردت على الفتوى الشرعية الصادرة من دار الإفتاء حول موضوع الغرامة.

         والجواب كالتالي:

         الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

         التكييف الشرعي لصندوق الضمان الاجتماعي:

       إن نظام صندوق الضمان الاجتماعي يقوم على أساس أن يُقتطع من المرتب الشهري لموظفي الدولة جزء نسبي محدود، بقوة القانون، بناءً على عقد العمل المبرم مع الدولة، الذي ارتضاه الموظف بناءً على طلبه الوظيفة، بدليل أنه لايؤخذ ممن ليس له عقد مع الدولة إلا برغبته، وذلك ليشارك الموظف بهذا الجزء في التأمين والضمان التكافلي، الذي يستفيد منه هو أو أسرته في آخر الأمر.

فالاشتراك في صندوق الضمان، سواء أكان إجباريًّا من جهة الدولة للموظف، أو اختياريًّا لذوي الأعمال الحرة، هو في حقيقته التزام بمال، ومن التزم شيئًا لزمه في آجاله المحددة، فإذا فرضت عليه عقوبة مالية بسبب تأخر دفعه في آجاله، كانت عقوبة بمال نتيجة الإخلال بهذا الالتزام، وجمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذاهب الأربعة لا يجيزون العقوبة بالمال على الإطلاق، ويرونها محرمة؛ لأنها من أكل مال الناس بالباطل.

قال ابن رشد الجد: “لأن العقوبات في الأموال أمر كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك كله بالإجماع، وعادت العقوبات في الأبدان” [البيان والتحصيل: 276/16].

أما فتوى مجمع البحوث بالأزهر المشار إليها، فلا ينبغي بخصوصها أن يخفى عنكم ما يلي:

1-                      مجمع البحوث نفسه له قرار سابق يحرم فوائد البنوك ويعتبرها ربًا، عندما كان مجمع البحوث لا يضم إلا كبار العلماء من المتخصصين في الفقه الإسلامي، ينتمون إلى خمس وثلاثين دولة في العالم الإسلامي، فقد جاء في قرارات المجمع في جلسته المنعقدة بالقاهرة عام 1965 من القرن الماضي في الفقرة الخامسة منه: “الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة، كلها من المعاملات الربوية، وهي محرمة”.

 ثم نسجت على منواله كل الهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، ومنها “المجمع الفقهي التابع لمنظمة العالم الإسلامي”، و”المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي”، عام 1406هـ – 1985م، وغيرهما من المؤسسات.

2-                مجمع البحوث الحالي ليس به إلا عدد قليل من المتخصصين في العلوم الشرعية، حيث صار يضمّ تخصصات أخرى لا صلة لها بالفقه الإسلامي، كما هو معلوم عند كل متابع.

 

الاحتجاج بصدور قانون مدني بغرامة التأخير:

لايجوز الاحتجاج بالقوانين الوضعية التي تخالف أحكام الله تعالى، فقد تضافرت نصوص السنة النبوية على أن قوانين الحاكم لا تطاع إلا فيما لا يخالف النصوص الشرعية، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق) [النسائي: 4205]، وقد اتفق الفقهاء على أن حكم الحاكم لا يُحل الحرام، ولا يُحرم الحلال، فنصوص الشريعة فوق كل قانون، فما وافقها هو الحق الذي يجب اتباعه، وما خالفها لا يجوز العمل به، قـال الله تبارك وتعالى: )وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِـعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَّفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ( [المائدة:49]، والمصلحـة في اتباع أحكام الشريعة، والتمسّك بها، لا في اتباع ما يخالفها، والله تعالى يقول: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ( [الأعراف:96]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

غيث محمود الفاخري

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

25/شوال/1434هـ

2013/9/1م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق