طلب فتوى
الشركةالفتاوىالمعاملات

بناء الشريك في أرض الشركة وما يلزم فيه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (863)

 

    ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

           كانت أرض من ميراث جدّي بمدينة مصراته مغتصبة، ورجعت في سنة 1968م، وبدأت باستغلالها واستصلاحها، حتى استطعت استصلاح مساحة تبلغ حوالي (60) هكتارا، وقمت بزرعها وحرثها وتسويتها وإزالة معوقات الزراعة منها، وتثبيت حدودها واستغلالها بكافة وسائل الحيازة والرعي، لمدة تزيد عن عشرين سنة، وقمت ببناء جابية، وإنشاء بعض المنشئات، وحفر بئر، وغرس جزء من هذه الأرض بمصدات الرياح والأشجار المثمرة، وكانت هذه المساحة من الأرض التي ركزت عليها جهدي ووقتي ومالي، مع أني شاركت في استصلاح مساحات أخرى واسترجاعها، وفي سنة 1989م، قام أبناء عمومتي من الورثة بمطالبتي بالقسمة، فطلبت منهم الاحتكام إلى شرع الله فيما قمت به من استصلاح لهذه الأرض، فرفضوا ذلك، وبقيت المشكلة قائمة ما يزيد عن ثلاث وعشرين سنة حتى هذا التاريخ، فهل يجوز لي المطالبة شرعا بحقي في الاستصلاح؛ لأنه أخذ مني الكثير من الوقت والجهد والمال، وكيف يمكن تقدير هذا الحق شرعا في حالة الجواز، وما هو الحكم الشرعي إذا رفضوا إعطائي هذا الحق؟

الجواب:  

            الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

            أما بعد:

          فأنت شريك مع باقي الورثة في أرض جدكم التي آلت إليكم من الغاصب، والشريك لا يحق له التصرف في الأرض المشتركة على انفراد قبل قسمتها من غير إذن شريكه، فإن تصرف من غير إذن شريكه ولا علمه، بأن كان شريكه غائبًا، أو حاضرًا ولا عِلْم له، فالواجب هو قسمة الأرض، ثم إن كان البناء أو الغرس وقع في حصة من بنى أو غرس، كان الغرس والبناء له، وعليه كراء الأرض لصاحبه بقدر ما انتفع من المدة قبل القسمة، وإن وقع البناء في حصة الشريك الآخر، خُيِّرَ بين أن يعطى له قيمة بنيانه منقوضاً، أو قيمة غرسه مقلوعاً، وبين أن يسلم إليه نقضه بنقله، ويكون له من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من حصة شريكه، قال ابن عبد البر رحمه الله: “ومن بنى أو غرس في أرض بينه وبين شريكه بغير إذنه، أو كان غائبا، فإنهما يقتسمان الأرض، فإن صار للباني ما بناه في حصته من الأرض كان له بنيانه، وكان عليه من الكراء بمقدار ما انتفع به من نصيب شريكه، وإن صار البنيان أو الغرس في نصيب شريكه، خير بين أن يعطى له قيمة بنيانه منقوضا، أو قيمة غرسه مقلوعا، وبين أن يسلم إليه نقضه بنقله، ويكون له من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من حصة شريكه الغائب” [الكافي:489/1]، وإن تصرف في الأرض بالبناء والغرس بعلم الورثة فله قيمة ذلك البناء قائما، قال الباجي رحمه الله: ” وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أن كل بان وغارس في أرض قوم بإذنهم، أو علمهم، فلم يمنعوه؛ فله قيمة ذلك قائما، كالباني بشبهة“[المنتقى:42/4]، وقال القرافيr: ” قال مالك: كل من بنى بإذنك أو علمك فلم تمنعه ولا أنكرت عليه فله قيمته قائما كالباني بشبهة، وكذلك المتكاري أرضا أو منحها أو بنى في أرض امرأته وأراضي بينه وبين شركائه بعلمهم فلم يمنعوه، والباني بغير إذن ولا علم له القيمة مقلوعا” [الذخيرة:213/6]، وتقدر القيمة حسب وقت الحكم، قال الدردير: “(وإن بنى) ذو الشبهة (أو غرس) فاستحق (قيل للمالك) الذي استحق الأرض: (ادفع قيمته قائما) منفردا عن الأرض؛ لأن ربه بناه بوجه شبهة، (فإن أبى قيل للباني: ادفع) لمستحق الأرض (قيمة الأرض) براحا (فإن أبى) أيضا (فشريكان بالقيمة) هذا بقيمة أرضه براحا، وهذا بقيمة بنائه أو غرسه قائما (يوم الحكم) لا يوم الغرس أو البناء” [بلغة السالك لأقرب المسالك:622/3]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                 مفتي عام ليبيا

22/ربيع الأول/1434هـ

2013/2/3

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق