طلب فتوى
الصلاةالعباداتالفتاوى

ترك تحية المسجد لأجل الدرس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (1447)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

يقوم أحد المشايخ بإلقاء الدروس في أحد المساجد بعد أذان العشاء وقبل الإقامة، ثم يكمل درسه بعد صلاة العشاء، ونظرًا لضيق الوقت، وحرصًا على استيفاء ما أعدّه من مادة علمية للناس، فإنه يجلس مباشرة، ولا يصلي ركعتي تحية المسجد، مع حرصه على المداومة عليهما في الأوقات الأخرى، فأنكر عليه ذلك أحد الحاضرين، ووصفه بالبدعة، فأجابه الشيخ ببيان حكم تحية المسجد، وأنها سنة مستحبة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين)، وذكر له من صوارف الأمر بتحية المسجد إلى الاستحباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاتها يوم الجمعة قبل الخطبة، واستدل المعترض علي الشيخ بكلام علماء المالكية وقد ذكره له الشيخ أولًا، ولم يفهمه المعترض، فما حكم ترك السنة المستحبة لمصلحة شرعية راجحة، وهل يوصف تاركها بالبدعة، وهل يجوز الإنكار بهذه الطريقة على من كُلف بالوعظ والإرشاد في المساجد؟

 

الجواب:    

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

          فيُسنّ لمن دخل المسجد يريد الجلوس، في وقت تباح فيه الصلاة، أن يصلي ركعتين تحية المسجد، بنية التقرب إلى الله تعالى قبل أن يجلس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) [البخاري:1167]، وتركها مكروه لمخالفته السنة، وهي مقدمة على الجلوس لمجلس العلم، سواء من الشيخ والواعظ أو من الطلبة، فهم مطالبون بالإتيان بها، ولايقاس الواعظ على إمام الجمعة؛ لأن السنة في حق الخطيب أن يصعد إلى المنبر فور وصوله، فذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الباجي رحمه الله: “السنة أن يرقى المنبر إثر دخوله ولا يركع؛ لأنه يشرع في فرض، وإنما يركع من يريد الجلوس” [البيان والتحصيل:548/2]، فلا يقاس عليه غيره من الناس، ممن يريدون الجلوس، أما عن ترك سنة مستحبة لمصلحة شرعية، فمعيار المصلحة والمفسدة هو الشرع، فما شهد له الشرع بالصلاح فهو المصلحة، وما شهد له بالفساد فهو المفسدة، ولا توجد مصلحة من ترك تحية المسجد لاغتنام وقتها في الدرس، خاصة أنها لا تأخذ إلا بضع دقائق، فلا تترك سنة مستحبة لهذا السبب، أما عن وصف تارك تحية المسجد بالبدعة فلا يجوز، وإنما يؤمر بالإتيان بها من باب النصيحة، وينبغي إذا أمر المؤمن غيره بمعروف أو أنكر عليه مخالفةً، أن يكون الأمر بطريق الرفق واللين، لا العنف والتبديع، وإذا كان المدرِّس جزاه الله خيرًا حريصًا على كل دقيقة من الوقت، فيمكنه أن يدخل المسجد قبل دقائق من رفع الأذان يؤدِّي فيها تحية المسجد، ويخرج بذلك من الإشكال؛ لأن من أولويات الداعية العمل على الألفة وجمع الكلمة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الكوحة

محمد الهادي كريدان

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

26/شوال/1434هـ

2013/9/2م

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق