طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

تعويض أهالي ضحايا الطائرة المنكوبة في تونس

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (1921)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

أنا المواطن: (ع)، بصفتي والد: (ط)، أحد ركاب طائرة الإسعاف التي سقطت بالقرب من مطار قرطاج، وقد عُقدت اجتماعات بين ورثة الركاب والمسؤولين عن تسيير الرحلة، المالكين للطائرة (رئاسة الأركان)، وحتى يتسنى لنا تحديد قضية المسؤولية والتعويض، نودُّ معرفة الحكم الشرعي في المسائل التالية:

   هل يجوز لنا المطالبة بالتعويض؟ وهل يحق لنا مفاوضتهم وإنهاء المطالبة صلحًا؟

  هل يسقط ضمان الناقل بموجب التعهد المكتوب الموقع من ركاب الطائرة، الذي يتضمن إعفاء الناقل من أية مسؤولية فيما يخص الحوادث؟ (مرفق صورة منه).

  هل التعويض – في حال جوازه – يخضع لأحكام الدية في تحديده؟ أي أنه يجوز زيادة قيمته وتخفيضها بحسب الحكم القضائي.

   هل مبلغ التعويض يوزع وفق الفريضة الشرعية، أم بالاتفاق بين أولياء الدم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن كان سقوط الطائرة بسبب أمر سماوي عارض، ولم يكن ناشئاً عن إهمال من الجهة المالكة للطائرة، كالإهمال في أمور الصيانة، والكشف الدوري ونحو ذلك، ولم يفرِّط الطاقم الذي يقود الطائرة في المهام المكلف بها، أو يقع منه خطأ أو تقصير فيما يتعلق بعمله، وإنما نشأ الحادث عن سبب خارج عن قدرته، كتقلّب الأحوال الجوية، والرياح، ونحو ذلك، فلا يلزم الجهة المالكة في هذه الحالة دية ولا تعويض، إلا أن تتطوع بشيء من باب المواساة، وإن كان الحادث ناتجًا عن تقصير الجهة المالكة في جانب من الجوانب المذكورة آنفاً، أو تفريط الطاقم، فيما يقع تحت مسؤوليته، فإن الدية تلزم المقصر أو المفرط منهم؛ لقوله تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَّقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَّصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(.

وفي التاج والإكليل: “قال مالك في السفينتين تصطدمان، فتغرق إحداهما بما فيها، فلا شيء في ذلك على أحد؛ لأن الريح تغلبهم، إلا أن يعلم أن النواتية لو أرادوا صرفها قدروا فيضمنوا، وإلا فلا شيء عليهم، وقال ابن القاسم: ولو قدروا على حبسها إلا أن فيها هلاكهم وغرقهم فلم يفعلوا، فليضمن عواقلهم دياتهم، ويضمنوا الأموال في أموالهم، وليس لهم أن يطلبوا نجاتهم بغرق غيرهم، وكذلك لو لم يروهم في ظلمة الليل وهم لو رأوهم لقدروا على صرفها، فهم ضامنون لما في السفينة، ودية من مات على عواقلهم، ولكن لو غلبتهم الريح أو غفلوا لم يكن عليهم شيء” [التاج والإكليل شرح مختصر خليل:246/6].

ويجوز عند وجوب الدية بسبب التقصير المصالحة على أقل منها، ويجوز إعطاء تعويض زيادة عليها، برضا الطرفين، وتقسم على الورثة بقدر أنصبائهم في ميراثهم من الميت.

ولا عبرة بالتعهد المكتوب من الركاب بإبراء المسؤولين إن وقع تقصير؛ لأنه إسقاط حق قبل وجوبه، يقول الخرشي في شرح المختصر: “… أي أن القصاص ثابت ولو قال المقتول للقاتل إن قتلتني أبرأتك، ففعل، فإن القاتل لا يبرأ بذلك، ويقتل به؛ لأن الحق بعد الموت انتقل للوارث، وكذلك لو قال له: اقتلني ابتداء؛ لأنه عفا عن شيء لم يجب له” [شرح المختصر:8/5]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الغرياني

محمد الهادي كريدان

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

21/جمادى الآخرة/1435م

2014/4/21م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق