طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

حكم التحبيس على النفس وحكم التحبيس على الذكور دون الإناث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (640)

 

             ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

            حبّس جدنا ( م ) أرضاً له، جاء في نص الحبسية (( … وأن الإمام الثاني أبا يوسف يعقوب بن طلحة، صاحب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وعن بقية الأئمة أجمعين، يرى صحة الحبس مشاعاً، وعلى النفس، وبمجرد القول، بدون حوز ولا قبول كالعتق، أشهدنا أنه حبس، وأبد، ووقف، وسرمد على نفسه أمد حياته كامل السانية …. ثم بعد وفاة المحبس، فربع ما حبسه يرجع وقفاً … تصرف حاصلات غلة الربع المذكور في مصالح المسجد المسطور من ترميم … وثلاثة أرباع ما حبس، ونعت أعلاه، فعلى ما يوجد له من الأولاد الذكور بقية عمره إن قدر الله بذلك، ثم على أبنائهم، وأبناء أبنائهم، وعقب عقبهم، الذكور خاصة دون الإناث، لا يشارك ابنٌ أباه، ولا يحجب أصل غير فرعه … ما تناسلوا، وامتدت فروع نسبهم في الإسلام، فإن انقرضوا من عند آخرهم، ولم يخلفوا، رجعت الثلاثة الأرباع المذكورات من الحبس المذكور وقفاً على المسجد المذكور كالربع المذكور أعلاه حبساً مؤبداً، ووقفاً مسرمداً، لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث…))، ولم يزد له بعد التحبيس ابن ذكر ، ثم قام ابن ابن عمه ( ص ) بالتنازل عن الأرض المحبسة للدولة لبناء مدرسة، ومركز صحي، وبعد وفاته قام ورثته بنقض التنازل، والمطالبة بالأرض لصالحهم، فما حكم الحبس المذكور؟ وهل يحق لابن ابن عم المحبس التنازل عنه؟ وهل يحق لورثته المطالبة بالأرض ؟

            الجواب:

            الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

            أما بعد:

           فالتحبيس على النفس باطل عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه، وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال في شرح مختصر خليل: “ومعناه: أن الحبس على النفس باطل؛ لأنه قد حجر على نفسه، وعلى ورثته بعد موته, وكذلك يكون الوقف كله باطلاً، إذا وقف على نفسه وعلى غيره، ولم يحز عنه قبل موته، أما إن حيز عنه قبل موته، فإنما يبطل ما يخص الواقف فقط، ويصح ما يخص الشريك، ويكفي حوز حصة الشريك في صحة وقفها حيث تعينت، كأن يقف دارين على نفسه، وعلى شخص، على أن له إحداهما معينة، والآخر الأخرى”، ولكن لما نص الواقف على تقليده لبعض المذاهب المعتبرة، لم يصح نقضه، ويمضي على ما فيه.

            ووقف ربع الأرض على المسجد صحيح، تصرف غلته عليه، يجب وضعه فيما حبسه عليه المحبس، ولا حق لأحد الرجوع فيه، ولا التنازل عنه، ولا المطالبة به، لا ابن ابن عم المحبس، ولا غيره، ويجب على الجهة المخولة من قبل الدولة بالعناية بالأوقاف تتبعه، والمطالبة به .

            والحبس على الذكور دون الإناث محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم ” (البخاري:2587)، وفي المدونة روى ابن وهب عن محمد بن حزم أنه حدَّث عن عمرة بنت عبدالرحمن أنها ذكرت أن عائشة رضي الله عنها إذا ذكرت صدقات الناس اليوم، وإخراج الرجال بناتهم منها، تقول: ما وجدت للناس مثلاً اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله تعالى: { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (المدونة 423/4)، وقال الإمام مالك في رواية عنه: “إنه من عمل الجاهلية ” (شرح الخرشي، ج/5، ص88)، وهو اختيار الشيخ خليل في المختصر، قال: “وحرم- أي الوقف- على بنيه دون بناته”، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس على الذكور دون الإناث تم إلغاؤه بصدور فتوى من مفتي الديار الليبية السابق الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه ، فلا يعمل به شرعاً، ولا قانوناً؛ لما فيه من التحايل على حرمان المرأة من الميراث .

            فالثلاث أرباع الأرض الباقية ترد وصية من الوصايا لفساد الحبس على الذكور دون الإناث، تصرف من ثلث تركة الميت، فإن كانت ثلث تركة الميت أو أقل، صرفت أيضاً في مصارف المسجد المذكور، وإن كانت أكثر من الثلث أُخذ منها قدر ثلث التركة، يصرف في مصارف المسجد، وما بقي من تركة الميت قسم على الورثة بقدر أنصبائهم في الميراث .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                                 مفتي عام ليبيا

8/محرم/1434هـ

2012/11/22

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق