طلب فتوى
الغصب والتعديالفتاوىالمعاملات

حكم التعدي على المال العام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (720)

 

            ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

        مساحة من الأرض تعود ملكيتها للدولة حسب القانون، وهي ما تعرف في المخطط العام بالشريط الأخضر، وصنفت على أنها حديقة ومنتزه عائلي، وبعد إعلان التحرير، قام البعض بالتعدي عليها, ببناء محلات تجارية, دون تصريح من الجهات ذات الاختصاص؛ بحجة ملكية هذه الأرض، وعدم تعويضهم في العهد السابق، إلا عن الأشجار دون الأرض، وقد تم تبليغ الجهات المختصة، وفتح شكوى بذلك من قبل سكان المنطقة، والسؤال:

            ما حكم الاستيلاء على الأراضي التابعة للدولة، والتَّصرُّفِ فيها بالبناء، أو أيّ نوع آخرَ من التصرفات غير القانونية؛ بحجة عدم تعويضهم، وأنهم مالكوها الشرعيون؟ وهل يحق لهم استرجاع الأرض، أم طلب التعويض؟

            الجواب:

            الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

            أما بعد:

           فإنه لا يجوز للدولة أخذ شيء من أملاك الناس بغير وجه حق، كما لا يحق لها إجبارهم على بيعها لغير ضرورة، ومصلحة عامة ملحة، قال الله عز وجل: ﴿ وَلا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) [سنن النسائي الكبرى:11325]، فإذا كانت الدولة قد أعطت لصاحب العقار تعويضاً بالثمن الحقيقي لعقاره، وأبرم معها عقداً برضاه، فليس له أن يطالب بشيء؛ لأنه قبض العوض، ورضي به، أما إذا لم تدفع الدولة عوضاً للمالك، أو دفعت عوضاً بخساً لم يرض به، فله أن يطالب الدولة بالتعويض؛ لأن فعل الدولة حينها تعَدٍّ وغصب، لا يثبت به حق، ويبقى الحق لأصحابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق) [أبوداود:3075]، أما إذا تعنت صاحب الملك، مع بذل ثمن الوقت، وكانت المصلحة العامة تقتضي ضرورة الانتفاع بملكه، فحينها يجوز نزع هذه الملكية .

            وحرمة المال العام أعظمُ من حرمة المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه والتَّفريط فيه،[مصنف ابن أبي شيبة: 33585]، ولا يجوز التعدّي عليه بالبناء، أو الغَصْب، دون إِذْنٍ وترخيصٍ من الدولة، كلُّ ذلك لا يصح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً، طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين)[مسلم:3/1230]، وللمالك الأصلي الحق في المطالبة باسترداد عقاره، أو التعويض عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد عين ماله، فهو أحق به) [أبوداود:3531]، ولا يجوز له استيفاء هذا الحق بقوة السلاح؛ لما يؤدي إليه من الفتنة، وسفك الدماء، وإشاعة الفوضى، بل يجب الرجوع في استرداد الحقوق إلى القنوات المعروفة، وما تقرره المحاكم والهيئات المخولة بذلك، ويترضى المالك بقدر الإمكان، ويبذل ثمن أعلى منه، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

4/صفر/1434هـ

2012/12/18

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق