طلب فتوى
الفتاوىالمواريث والوصايا

حكم قانون الوصية الواجبة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (787)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

           سؤالي حول ما يسمى بقانون الوصية الواجبة، راجياً من سماحتكم التعليق عليه، فلا يخفى عليكم أن هذا القانون يعطي للأحفاد الذين توفي أبوهم في حياة جدِّهم حصة أبيهم من الميراث، وسموه بقانون الوصية الواجبة، ونسبوه إلى الإمام ابن حزم رحمه الله، وقد قمت ببحث فى المسألة، نرجو من سماحتكم قراءته، والتعليق عليه:

من المعلوم أن جمهور أهل العلم يرون أن الوصية الواجبة مستحبة، وليست واجبة، وقد قال بوجوبها ابن حزم، وبعض الفقهاء، وبعيداً عن الخلاف، والراجح في المسألة، فإن رأي ابن حزم ومن تبعه ليس له ثمّة علاقة بما قرّره المعاصرون اليوم، فقد قال ابن حزم رحمه الله: (وفرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون، إما لرقٍّ، وإما لكفر، وإما لأن هناك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون، فيوصي لهم بما طابت به نفسه، لا حدّ في ذلك، فإن لم يفعل أعطوا، ولا بدّ ما رآه الورثة أو الوصي)،[المحلى:351/8].

           أمّا قانون الوصية الواجبة، فإنه قد قصر الأقارب الذين يستحقون الوصية على الأحفاد فقط دون غيرهم، ثم أعطاهم حصة أبيهم، على ألا تتجاوز الثلث، وهذه مخالفة صريحة لقول ابن حزم رحمه الله، فهو لم يخص الوصية للأحفاد، وكذلك لم يحدد جزء المال الموصى به بمقدار معين، بل إن هذا التفصيل الذي أتوا به لم يقل به أحد من علماء المسلمين، على مرّ القرون الماضية.

وحقيقة الأمر أن ابن حزم ومن على رأيه، يتكلمون عن الوصية، وهؤلاء يتحدثون عن الميراث، قال الشيخ أبو زهرة في كتابه: ( وهذه أحكام في غايتها ومرماها، والغرض منها والباعث عليها تنحو نحو الميراث، فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه ميراثاً مفروضاً) [أحكام الوصية الواجبة:239]، وقال الواضعون لهذا القانون: إن سبب التشريع هو رفع الفقر عن الأحفاد، إلا أنهم لم يشترطوا فقرهم لإيجاب مثل هذه الوصية، بل أعطوهم مطلقاً، ولو كانوا أغنياء، وقال أبو زهرة في كتابه أحكام الوصية الواجبة: ( والحق أننا لو أخذنا بالوجوب يجب أن نعتبر الاحتياج؛ لأن الوصايا من باب الصدقات، فيجب أن تكون للفقراء )،[ أحكام الوصية الواجبة:244].

أما الاستدلال بقول الله تعالى: ( كتب عليكم . ….. )، فقد خالفوا هذا الدليل من ثلاثة أوجه:

الأول: قوله تعالى: ﴿إن ترك خيرا فهذا تقييد للوصية، فلا يؤمر بها إلا من ترك خيرا، وهو المال الكثير، والقانون أهمل هذا القيد.

           الثاني: قوله تعالى: ﴿والأقربين عام في جميع الأقربين، وهم خصّوها بالأحفاد فقط.

الثالث: لم تحدد الوصية بقدر معين، لا نصيب الأب من التركة، ولاغيره، هذا ما وفقني الله لجمعه؛ راجين من سماحتكم البيان الشافي للمسألة.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

           أما بعد:

فإن قانون الوصية الواجبة اليوم يعتبرمخالفاً لما قرّره جمهور علماء المسلمين خلفاً عن سلف، ومنهم ابن حزم الظاهري رحمه الله، ويظهر ذلك جليًّا في الشّروط التي فرضتها المحاكم لهذه الوصية، ولا يكون هذا الحكم من قبيل رفع حكم الحاكم للخلاف، فحكم الحاكم يرفع الخلاف مالم يخالف النص، أو الإجماع، أو القياس الجلي، وهو بالصورة التي عليها اليوم في المحاكم مخالف للنصوص الصريحة الواضحة، ولم نجد أحداً من أهل العلم والاجتهاد المعتبرين يقول به، وإنما دعت إليه الحاجة والعواطف، ومما يدلّ على كون القانون المتبع في المحاكم اليوم ليس له علاقة بالشرع، وإنما هو إعمال للعقل، والعقول مختلفة في نظرتها لأي أمر؛ كون القانون مختلفاً من بلد إلى آخر، فالقانون المصري والكويتي يعطي الحفدة من أولاد الذكور مهما نزلوا، أما أولاد الإناث فلأهل الطبقة الأولى فقط، أما القانون السوري والأردني فيعطي الحفدة من الأولاد الذكور فقط، أما أولاد الإناث فلا يستحقون الوصية، وهذا عجز واضح في الاستدراك على حكم الله تعالى في المواريث، فعلى من يتولى القضاء أن يتوقف، ويعيد النظر في هذا القانون؛ لما فيه من المخالفة لحكم الله تعالى في قسمة المواريث، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                 مفتي عام ليبيا

26/صفر/1434هـ

2013/1/8

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق