طلب فتوى
الصلاةالعباداتالفتاوى

حكم الأذان الأول لصلاة الفجر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2157)

 

السيد/ مدير مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية طرابلس.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة، وبعد:

فبالإشارة إلى مراسلتكم بخصوص مشروعية الأذان الأول لصلاة الفجر، ووقته، ومقدار الزمن بينه وبين الأذان الثاني، وهل يثوب فيه، ونحو ذلك؟

والجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الأذان قُبَيْل دخول وقت صلاة الفجر – وهو ما يسمى بالأذان الأول – جائز مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) [البخاري:597،مسلم:1092]، والحكمة منه إيقاظ النائم للسحور والطهور ونحوه، وتنبيه المصلي إلى قرب الفجر ليوتر؛ كما في الحديث: (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن – أو ينادي بليل – ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم) [البخاري:7247، مسلم:39]، ولا يكون إلا في صلاة الصبح خاصة دون الصلوات الأخرى، ووقته السدس الأخير من الليل، وحكمه الجواز؛ قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح، فلا بأس أن يؤذن لها في السدس الأخير من الليل” [الرسالة:25]، والزمن بينهما لا يكون طويلا؛ قال ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما: “ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا” [مسلم:2505، النسائي:639]، قال النووي رحمه الله: “قال العلماء: معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر، ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل، فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر” [شرح مسلم:203/7]، ويمكن تقديمه وتأخيره في السدس الأخير من الليل، حسب المصلحة التي تراها الجهة المسؤولة، وهي وزارة الأوقاف.

وصفة هذا الأذان وألفاظه لا تختلف عن الأذان المعروف للصلوات الخمس، وأما التثويب – وهو قول المؤذن: الصلاة خير من النوم – فالظاهر أنه لا يقال إلا في الأذان الثاني للفجر، عند دخول وقتها؛ لأن المقصود به تحفيز النائمين للقيام لصلاة الجماعة، قال المازري رحمه الله: “القصد بها إشعار النائمين المخاطبين بإتيان الجماعة، أن إيثار الصلاة أولى من إيثار لذة النوم؛ ليكون هذا القول باعثًا لدواعيهم ومحركًا لهم إلى القيام إلى الصلاة” [شرح التلقين:437/1].

وأما ما جاء في بعض طرق حديث أبي محذورة، قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم”، وفي لفظ: “في الأولى من الصبح” [النسائي:633،647، وغيره]، فكلها ضعيفة، لم تخل طريق منها من راوٍ مجهول فأكثر، وأصح الطرق طريق عبد العزيز بن رُفَيْع عن أبي محذورة قال: “سمعت أبا محذورة يقول: كنت غلاما صبيا فأذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوم حنين، فلما بلغت حي على الصلاة حي على الفلاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألحق فيها: “الصلاة خير من النوم”) [شرح معاني الآثار:841، وسنن الدارقطني:910]، ليس فيها التقييد بالأذان الأول.

وعلى القول بصحتها فهي محتملة للأذان للفجر قبل الوقت، وتحتمل أن يكون المقصود بها الأذان عند دخول الوقت؛ لأنه يسمى أولا بالنسبة للإقامة، وقد ورد تسمية الإقامة أذانًا، كما في الحديث: (بين كل أذانين صلاة) [البخاري:598، مسلم:838]، وقالت عائشة رضي الله عنها: “كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى الركعتين” [مسلم:739]، قال النووي رحمه الله: “قولها: ثم صلى الركعتين، أي: سنة الصبح” [شرح مسلم:22/6]، وفي الموطأ: “أن عثمان بن عفان رضي الله عنه زاد النداء الثالث يوم الجمعة” [225].

ولم نجد أحدا من علماء المالكية نص على موضع التثويب صراحة، ولكن يفهم من نصوصهم أن التثويب يكون في الأذان الثاني، كقول ابن أبي زيد مثلا: “فإن كنت في نداء الصبح زدت ههنا؛ الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، لا تقل ذلك في غير نداء الصبح” [الرسالة: ص: 26].

وأما الشافعية؛ فقال النووي رحمه الله: “ظاهر إطلاق الأصحاب أنه يشرع في كل أذان للصبح، سواء ما قبل الفجر وبعده، وقال صاحب التهذيب: إن ثوّب في الأذان الأول لم يثوّب في الأذان الثاني، في أصح الوجهين” [المجموع:92/3].

وقال أحد متأخري الحنابلة: “فإن الأمر في ذلك عندنا على السعة، فإذا جعله في الأول أو في الثاني فالكل – إن شاء الله – حسن، ولكن الأحسن لمن أراد الاقتصار في التثويب على أحد الأذانين أن يكون في الأول؛ لما ذكرتُ من الحديث، وأحسن منهما التثويب في الأذانين جمعا بين الأحاديث، وعملا بظاهر إطلاقات الفقهاء” [الدرر السنية:205/5]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد محمد الكوحة

محمد الهادي كريدان

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

20/ربيع الأول/1436هـ

2015/1/11م

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق