طلب فتوى
البيعالفتاوىالمعاملات

مغارسة فاسدة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (1962)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

دفع مجموعة من الأشخاص أرضا لوالدي (ع)، وأعمامي (م)، و(ح)، و(ف)، على وجه المغارسة، لمدة ثنتي عشرة سنة، وبعد سنة من العقد، توفي عمي (م)، وبعد انتهاء مدة المغارسة لم يطالب أصحاب الأرض بنصيبهم فيها، رغم أنهم يرون المغارسين، وهم يقومون بالبناء، والهدم، والرعي، والاستغلال، ولم يطالبوا بحقهم.

فهل لورثة: (م) حق في أرض المغارسة، أم لا؟

وما حكم الأرض التي دفعت مغارسة الآن، بعد مرور (58 سنة) على عقد المغارسة، حيث كان عقد المغارسة سنة (1365هـ)؟ وهل يختص بها المغارسون، أم لأهلها الأصليين نصيب فيها، بعد مرور المدة المذكورة دون أن يطالبوا بحقهم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن هذه المسألة من صور المغارسة الفاسدة؛ إذ من شروط صحة المغارسة أن يكون عمل الغارس محددا بالإثمار، لا بالأجل، فقد نقل القرافي عن صاحب النوادر قوله: “وتمتنع [أي: المغارسة] إلى أجل؛ لأنها في معنى الجعل؛ بل للإثمار أو قبله” [الذخيرة:142/6]، فإن تعدّت حد الإثمار تعتبر فاسدة؛ بسبب فقد شرط من شروطها، قال التسولي في المغارسة الفاسدة: “وإن اختلفت أنواع فسادها – كما لابن الحاج حسبما في البرزلي – يعني ككونها مؤقتة بأجل أو شباب تثمر الأشجار قبله” [البهجة شرح التحفة:329/2]، فإذا اطُّلِع على فسادها قبل البدء في العمل، يجب فسخها، فترد الأرض إلى صاحبها، ولا شيء للعامل؛ لأنه لم يعمل شيئا، وإن لم يطلع عليها إلا بعد الغرس والعمل، وكانت مع فسادها قد جعل فيها للعامل جزء في الأرض والشجر – كما في هذه الحالة – بأن حددت بأجل بعد إثمار الشجر، فإنها تُخَرَّج على الشراء الفاسد الذي فُوِّت بالغرس، قال ابن القاسم: “إذا فسدت – أي: المغارسة – بعدم ذكر حد تنتهي اليه، أو حد معلوم – إلى حد، الإثمار دونه وفات، فالغرس بينهما نصفان، ويلزم العامل نصف الأرض بقيمتها يوم قبضها براحا؛ لأنه اشتراها شراء فاسدا فأفاتها بالغرس، فان اغتلها زمانا طويلا فما اغتل في نصفه- أي: الغارس – الذي الزمناه قيمته لا كراء عليه فيه، والنصف الآخر- أي: الذي أخذه رب الأرض- كأنك- أي: الغارس – أكريته بثمرة لم يبد صلاحها، وترد أنت – أي: مالك الأرض – الثمرة التي قبضت الى العامل، وتأخذ منه كراءً حاليا يوم اغتلها” أي: كراء ذلك الوقت. [الذخيرة:142/6].

وحيث إن الشجر لم يبلغ حد الإطعام عند وفاة أحد العمال، وهو (م) – كما يفهم من السؤال – فإنه يستحق أجرة المثل، بقدر ما تكلفه من العمل، قال التسولي – عن المغارسة التي لم تتم – : ” فإنه يستحق أجره على مجرد عمله من غير زيادة عليه، وإن لم يتمه فله بحساب ما عمل” [البهجة شرح التحفة:324/2]، ويتقاسم ورثته هذه الأجرة حسب الفريضة الشرعية، ولا حق حينئذ له في الأرض المذكورة.

وأما سكوت أصحاب الأرض طيلة هذه المدة الطويلة من غير عذر، يُسقط حقهم في الاعتراض على عقد المغارسة؛ لكن لا يُسقط حقهم في الأرض التي بقيت للورثة بعد أخذ المغارس حصته، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الغرياني

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

14/رجب/1435هـ

2014/5/13م

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق