وقف قطعتي أرض متجاورتين لبناء مسجد على كل واحدة منهما

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (892)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

          حبس رجل قطعة أرض لبناء مسجد عليها، فأراد الورثة بناء المسجد عليها، غير أنهم وجدوا جوار القطعة قطعة أرض أخرى حبسها صاحبها لبناء مسجد عليها، فهل يجوز لورثة إحدى القطعتين بيع إحداهما لبناء الأخرى أم لا؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

           أما بعد:

          فعقار الحبس لا يباع، ولا يتصرف فيه بأي أنواع التصرف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صدقته: (أمْسِك أصْلَهَا، وسَبِّل الثمرة)، وقول عمر رضي الله عنه بعد ذلك: (لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث) [النسائي: 1432]، وقال سحنون رحمه الله: “بقاء أحباس السلف خراباً دليل على أن بيعها غير مستقيم”[شرح الخرشي: 95/7]، ولأن بيع الأرض يؤدي إلى انقطاع الوقف، فعلى الورثة أن يعملوا على استثمار هذه الأرض بالكراء، أو إعطائها لمن يحسن استثمارها, ويزيد من ريعها، مما يسهم في بناء المسجد المجاور لها، ويحفظوا شرط الواقف من بقاء الحبس، ومن بدّل أو غيّر فالله حسبه، قال الله عز وجل: )فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ([البقرة: 181]، ولو كان أحد المحبسين لا يزال حياً فلا يجوز له الرجوع فيه؛ لأن الوقف محمول على التأبيد، وهو سنة السلف من لدن الصحابة رضوان الله عليهم في أوقافهم وصدقاتهم، قال الدسوقي عند قول الشيخ خليل ( ولزم ): ” فإذا أَرَادَ الْوَاقِفُ الرُّجُوعَ فيه لا يُمَكَّنُ، وإذا لم يُحَزْ عنه أُجْبِرَ على إخْرَاجِهِ من تَحْتِ يَدِهِ لِلْمَوْقُوفِ عليه، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ وَلَوْ قال الْوَاقِفُ وَلِي الْخِيَارُ” [حاشية الدسوقي: 4/ 75 ].

            وفي هذه الحالة لو بنيت إحدى القطعتين مسجداً، فينبغي أن يبنى في القطعة الأخرى عقار يحبس على ذلك المسجد أو غيره، يعمر بريعه المسجد بتحفيظ القرآن، وتدريس العلم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                          مفتي عام ليبيا

29/ربيع الآخر/1434هـ

2013/2/10