طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

أخذ أجرة من الناس زيادة على ما فرضته الدولة في الإسعاف الطائر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2043)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

نحن فرع الإسعاف الطائر بالقوات الجوية، نقوم بنقل المرضى والمصابين من طرابلس إلى تونس بمقابل مادي، ويقسم هذا المبلغ على الطيارين والمساعدين وغيرهم من الأطقم، علمًا بأن الطائرة ملك للدولة الليبية، وباقي المحروقات مجانًا، وجميع المستفيدين يتقاضون مرتبات حسب القوانين المعمول بها، وهذه المرتبات ضعيفة مقارنة بغيرهم، والطائرات لاتتوفر فيها شروط السلامة، والدولة تعهدت بزيادة المرتبات، ولم توف بعهودها، فما حكم هذه القيمة التي نأخذها زيادة على المرتبات؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الجواب على هذا السؤال يتكون من شقين:

الشق الأول: فإذا كانت الطائرات التي تستخدمونها لا تتوافر فيها شروط السلامة، وينقصها الفحص الدوري، والصيانة اللازمة، فلا يجوز لكم نقل المرضى فيها بأي صورة من الصور، ولو تجرأتم وفعلتم فأنتم آثمون مغامرون بحياة الناس، متعمدون تعريضهم للقتل، والتلاعب بأرواحهم من أجل المال، وقد توعد الله من استهان بدماء المسلمين المعصومة أو عرّضها لما دون ذلك من الخطر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) [مسلم:2616]، قال الإمام النووي معلقًا على الحديث: “فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه” [المنهاج:198/3] .

والواجب على الجهات المختصة في الحكومة صيانة هذه الطائرات، والتأكد من صلاحيتها للقيام بوظيفتها، وتشديد الإجراءات على الأطقم القائمة عليها؛ لمراعاة شروط الأمن والسلامة، وقد توعد الله من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامة ثم فرط فيه، على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد قال: (ما مِن عبدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) [مسلم:142] .

وأما الشق الثاني يتعلق بالمال الذي يؤخذ أجرة على هذه الرحلات فيما لو كانت الطائرات صالحة وتتوافر فيها شروط السلامة.

فالأجرة لهذه الطائرات يجب أن تحددها الجهة المختصة في وزارة الدفاع ما دامت مالكة لها، فهي التي تحدد أجرة الطائرة، وتحدد لكم أجوركم المناسبة، ثم بعد ذلك كل مال تأخذونه زيادة على الأجرة المحددة لكم غير خاضع للقانون المنظم لعملكم هو من الغلول المحرم، والتعدي على المال العام، ففي حديث أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَال: (اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَال: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا، وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَال: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي) [مسلم:3420].

فيجب عليكم ـ إن كانت الطائرة صالحة للعمل، وتتوافر فيها شروط السلامة ـ عدم أخذ شيء من الناس زيادة على ما فرضته الدولة وقررته لكم.

ولكم حق مطالبتها بزيادة مرتباتكم بالقدر المناسب بشرط أن لا تؤدي هذه المطالبة إلى تعطيل مصالح الناس وإلحاق الضرر بهم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد محمد الغرياني

محمد الهادي كريدان

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

26/ذو القعدة/1435هـ

2014/9/21م

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق