بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3479)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
هل يجوز لمقلدي المذهب المالكي أن يمسحوا على الجوارب، تقليدًا لعلماء آخرين؟ وهل يجوز للماسح على الخفين أن يستمر على المسح يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، أم يمسح كلما دعت الضرورة فقط؟ وما حكم المسح على الجورب في كل فصول السنة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن العامي مذهبه مذهب مفتيه، وعليه الاجتهاد في اختيار من يقلد، ويبحث عن علمه ودينه؛ إذ لا يجوز له أن يقلد كل من يلقاه، وإنما يقلد من غلب على ظنه أنه أولى بذلك، من أهل موضعه ومكانه. [المعيار المعرب:164/10]، والتنقل في التقليد في المسائل لا يجوز أن يكون بالتشهي؛ ففي المعيار أيضا: “لا يجوز لمقلد العالم اختيار أطيب المذاهب عنده وأوفقها لطبعه، وعليه تقليد إمامه الذي اعتقد صحة مذهبه وصوابه على غيره، ويتبعه في كل ورد وصدر، فلا يجوز عدول المالكي لمذهب الشافعي إلا أن يغلب على ظنه أنه أصوب رأياً، فحينئذٍ يجب تقليده في جميع المسائل، فإن لم يكن ذلك فلا داعي له في المخالفة إلا الهوى… واجتهاده في أعيان المسائل خطأ، وكأنه في ظنه عَرَفَ من غير هذه المسألة ما لا يعرفه مقلده، فهو جهل” [164/11].
ويجوز للماسح على الخفين أن يستمر على المسح المدة المقدرة شرعا للمسافر والمقيم بحسب حاله، ويجوز المسح كل العام بالشروط المعتبرة عند الفقهاء.
والمسح على الجوربين فيه خلاف بين أهل العلم، المتقدمين والمتأخرين، وخلاصة الأقوال في هذه المسألة: أنه قال بالمسح على الجوربين جماعة من الصحابة، وجوّزه الحنابلة، ولا يجوز عند المالكية والحنفية، وجوّزه صاحبا أبي حنيفة (محمد وأبو يوسف)، وعند الشافعية خلاف؛ منهم من يشترط أن يكونا مجلَّدين، ومنهم من يشترط أن يكونا منعَّلين – أي: يلبس معهما نعل من أسفل – ليمسح عليهما وعلى النعل، ومنهم من جوَّزه مطلقا، إذا أمكن تتابع المشي فيهما، وقال ابن حزم رحمه الله: “المسح عليهما سنة” [المحلى:80/2]، وسبب الاختلاف بين العلماء في صحة المسح على الجوربين من عدمه، اختلافهم في صحة الأحاديث الدالة عليه، وهل يقاس الجورب على الخف في المسح؟
والخروج من الخلاف أخذًا بالأحوط يحبذه العلماء، قال الليث بن سعد رحمه الله: “إذا جاء الاختلاف أخذنا بالأحوط” [جامع بيان العلم:81/2]، وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: “الأولى التزام الأشد والأحوط للدين، فإن من عزّ عليه دينه تورع” [المعيار:382/6]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
13/جمادى الأولى/1439هـ
29/يناير/2018م