طلب فتوى
البيعالتبرعاتالزكاةالشركةالعباداتالفتاوىالقرضالمعاملاتالهبة

أسئلة من محرر عقود

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3198)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

أنا محرر عقود، وعندي بعض الأسئلة المتعلقة بعملي:

السؤال الأول: شخص لم يرزق بأبناء، ويخشى على بناته بعد موته من باقي الورثة، فهل يجوز له أن يهب لهن مما يملك؟

السؤال الثاني: ما حكم هبة الأب لجميع أولاده وحرمان أحدهم لعقوقه؟

السؤال الثالث: حكم هبة الأب لأولاده عقارات متفاوتة وغير متساوية؟

السؤال الرابع: حكم زكاة عقارات مرت عليها سنين معروضة للبيع؟ وكيف تحصل قيمة الزكاة؟

السؤال الخامس: ما حكم شراء السيارات بنظام المرابحة من مصرف الجمهورية؟ وإذا كانت المعاملة محرمة فما حكم توثيق محرر العقود بعض التعهدات والإقرارات التي يطلبها المصرف من المشتري والضامن؟

السؤال السادس: ما حكم الزيادة في ثمن السيارة عند البيع بالصكوك؟

السؤال السابع: شركة بين شخصين من أحدهما المال والآخر العمل، واشترط صاحب المال نسبة محددة من الربح كل شهر، ولا يتحمل أي خسارة، فما حكم ذلك؟

السؤال الثامن: عند البيع بالتقسيط، هل يجوز للبائع المطالبة بالزيادة عندما يتخلف المشتري عن دفع القسط المطلوب عند حلول أجله؟ بحجة ارتفاع الأسعار، أو أن المبلغ لا يكفي لسداد الحاجيات خاصة عند البناء، وهل يجوز إذا كانت بالتراضي؟

السؤال التاسع: حكم التصرف في المبالغ المالية التي يتركها بعض الزبائن في المكتب كوديعة، مع توفر قيمتها عند المطالبة بها؟

السؤال العاشر: ما حكم المال مقابل أتعاب عند توثيق عقد قرض ربوي؟ وكيفية التخلص منه؟

السؤال الحادي عشر: ما حكم تأجيل أداء ديون مستحقة للدولة مقابل إيجار وكهرباء وغيرها، مع القدرة على السداد؟

السؤال الثاني عشر: حكم الضرائب المفروضة من الدولة على الدخل والعقود والفواتير ونحوها؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فجواب أسئلة الهبة الثلاثة كالتالي:

فإن الهبةَ لبعضِ الورثةِ دونَ البعضِ، إذا كانَ الغرضُ منها حرمانَ بعضِ الورثة والإضرارَ بهم، لا تجوز؛ لمخالفتها قصدَ الشارع من قسمة الميراث بالعدلِ، قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء:11]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم) [البخاري:2587،مسلم:1623]؛ ولكن إذا لم يكن الغرضُ من الهبة هو الإضرار، وإنما مراعاة الضعيف أو المريض، أو الأكثر بِرًّا وإحسانا؛ فلا حرج في ذلك.

وعليه؛ فيجوز للأب أن يهب لبناته خوفًا عليهنّ، أو يخص بعض أولاده البارّين به ببعض أملاكِه؛ تشجيعًا لهم وإكرامًا، ويمنع العاق تأديبًا له، ولكن لا يعطي كلَّ ماله؛ لئلا يحرم وارثًا من حقه في الميراثِ، فقد نحل أبوبكر الصديق ابنته عائشة رضي الله عنهما عشرين وسقًا بالغابة، واختصها بها دون أختيها [الموطأ:86]، وفي البيان والتحصيل: “وسئل مالك: عن الرجل يكون له ولد فيبره بعضهم، فيريد أن يعطيه من ماله دون بعض، أذلك له؟ قال: نعم، لا بأس به، ذلك له. قال محمد بن رشد رحمه الله: إنما أجاز مالك أن يعطى الرجل العطية لمن يبره منهم؛ لأنه لم يقصد بذلك إلى تفضيل بعض ولده على بعض، وإنما أعطى البار جزاء على بره، وحرم العاق أدبًا لعقوقه، فلا مكروه في ذلك إن شاء الله، وإنما المكروه أن يفضل بعض ولده على بعض، فيخصه بعطية، مخافةَ أن يكون ذلك سببا إلى أن يعقه الذي حرمه عطيته، أو يقصر فيما يلزمه من البرِّ به”[400/13].

جواب الرابع: فالعقارات المعروضة للبيع، إن كانت اشتريت للتجارة؛ فتجب الزكاة في ثمنها عند بيعها مرة واحدة، ولو بقيت معروضة سنين، وإذا بيع جزء منها أثناء الحول وجب تقويم جميع العقارات وإخراج الزكاة عنها كلها في تلك السنة.

جواب الخامس: فإن عقود المرابحة المعمول بها بمصرف الجمهورية، سواء فيما يتعلق بالسيارات أو غيرها؛ جائزة ومستوفية للشروط الشرعية، بشرط وجود إعلانات على اللوحات الإعلانية لهذه المصارف، موقعة من هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف، تشهد بأن هيئة الرقابة الشرعية تطلع بانتظام على ما يقوم به المصرف من عقود المرابحة، وأنها تطبّقُ بصورة صحيحة، وتخضع لهيئة رقابة شرعية.

جواب السادس: فإنه يجوز بيع وشراء السلع والعقارات بالصكوك المصدقة وغير المصدقة، ويجوز أن يزاد في سعر السلعة لأجل ذلك؛ لأن للزمن حصة من الثمن؛ ولأن النقد الزائد في قيمة الصك على النقد هو مقابل سلعة، وليس مقابل نقد، والزيادة مقابل السلعة تجوز؛ لأن للبائع أن يبيع بها ابتداء، سواء مع وجود ثمن آخر بالنقد الحاضر، أو عدم وجوده.

جواب السابع: فإن هذه شركة مضاربة، ومما يشترط لصحتها عدم تحديد ربح معين، فإن ضمن العامل ربحًا معلومًا، يدفعه كل شهر لصاحب رأس المال، كما ذكر في السؤال، فالمضاربة فاسدة بإجماع العلماء؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون الربح لأحدهما دون الآخر، فلا تتحقق الشركة، ويقع الظلم.

قال ابن المنذر رحمه الله: “وأجمعوا على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما، أو كلاهما، لنفسه دراهم معلومة” [الإجماع: ص140]، وقال ابن حزم رحمه الله عند ذكر المضاربة الجائزة: “ولا شرَطَ أحدهما للآخر ربح دراهم من المال معلومة، أو ربح دنانير منه معلومة” [مراتب الإجماع:ص92].

جواب الثامن: طلب غرامة مالية من المشتري عند عدم السداد في الأجل المحدد محرمٌ شرعًا؛ لأنه من ربا الجاهلية، الذي جاءت الشريعة بتحريمه، يقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( [آل عمران:130].

جواب التاسع: الوديعة أمانة لدى المودَع، وصاحبُها إنما دفعها إليك لتحفظها له، لا لتنتفع بها، قال مالك رحمه الله: “من استُودِع مالًا أو بُعِثَ به معه فلا أَرى أن يتجر به، ولا أن يسلفه أحدًا، ولا يحركه عن حاله، لأني أخاف أن يفلس أو يموت فيتلف المال ويضيع أمانته” [المنتقى:279/5]، إلا إذا استأذنتَ صاحبها في التصرف فيها، فتصير بذلك دينا مضمونا عليك إن تصرفت فيها.

جواب العاشر: فالعقود الربوية لا يجوز لأحد أن يعين عليها بكتابة ولا إشهاد ولا توثيق ولا توقيع ولا إيداع ولا قبض؛ قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) [مسلم:1598]، والله تعالى يقول: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة:2]، والأتعاب المأخوذة على ذلك محرمة، يجب التخلص منها بإعطائها للفقراء والمساكين، أو صرفها في المشاريع العامة مع التوبة النصوح.

جواب الحادي عشر: فلا يجوز لمن كان موسرًا تأخير أداء الديون بلا عذر، إذا أمكنه دفعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) [البخاري:2125،مسلم:2924]، سواء أكان صاحب الدين جهة خاصة أو عامة.

جواب الثاني عشر: فإنّ حرمة الأموال كحرمة الدماء والأعراض، وقد جاءت الآيات والأحاديث النبوية بذم المكوس (الضرائب)، قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( [النساء:29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن صاحب المَكْس في النار) [أحمد:17464]، وقال صلى الله عليه وسلم في المرأة التي زنت ثم تابت: ( والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْس لغفر له) [مسلم:3208]، قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “صاحب المكس: هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنَّه غصب، وظلمٌ، وعَسفٌ على الناس، وإشاعةٌ للمنكر، وعملٌ به، ودوامٌ عليه، ومع ذلك كلِّه فإن تاب من ذلك، وردَّ المظالم إلى أربابها صحَّت توبته، وقبلت، لكنَّه بعيد أن يوفي بذلك؛ لكثرة الحقوق وانتشارها في النَّاس، وعدم تعيين المظلومين، وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات، والمواريث، والملاهي، والمرتَّبين في الطرق، إلى غير ذلك مِمَّا قد كثر في الوجود، وعمل عليه في سائر البلاد” [المفهم:99/5]، والضرائب التي تؤخذ على الدخل كلها من هذا القبيل، لا تحل إلا عند الضرورة، بالشروط الآتية:

1- أن تكون حاجة الدولة للضريبة حاجة حقيقية وضرورية، لا وهمية أو ظنية، بحيث لا تكون هناك موارد أخرى تستطيع الدولة بها أن تسير أعمالها.

2- أن تكون الدولة فقيرة، ومواردها لا تفي بالقيام بشؤونها، وأن يكون فرض الضريبة استثنائيًّا مؤقتًا، حسبما تدعو إليه الضرورة، وأن يوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة، على أن ينتهي هذا الأمر بزوال العلّة الداعية وانتهاء الحاجة؛ فالقاعدة الفقهية تقول: “الضرورة مقدرة بقدرها”.

3- أن يكون التصرف في جباية المال في الدولة وإنفاقه على الوجه المشروع، بأن يكون فرض الضريبة لإنفاق المال في مصالح الأمة، لا على المعاصي والشهوات والأهواء من قِبَل السلطة الحاكمة، ولا على ترفيه أنفسهم وأسرهم، ولا لترضية السائرين في ركابهم.

4- أن تُؤخذ من فضل المال، أو ما يزيد عن حاجة الناس الأساسية، فمن كان عنده فضل عن إشباع حاجاته الأساسية أُخذت الضريبة من هذا الفضل، ومن كان لا فضل عنده بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية؛ فلا يؤخذ منه شيء.

وأما إذا كانت الضرائب خدمية، تؤخذ نظير خدمة تقدم للناس، كالضرائب التي تؤخذ على الجمارك، وخدمات الموانئ، والمرور في الطرقات ونحو ذلك، فلا حرج فيها، لكن بشرط أن تقوم الدولة من جانبها بتقديم الخدمة المطلوبة، التي تضمنتها لوائحها، فلو كانت الضريبة مثلا على المرور، فيجب على الدولة أن تقوم بالخدمات التي نَظَّمَها قانونُ المرور، بما يوفر السلامة في السير على الطرقات، لا أن تجبي الدولة الضرائب، ولا تؤدي ما عليها من خدمات.

وقد تم إلغاء ضريبتَي: (الدمغة، والجهاد)، وتعديل ضريبة: (الدخل) بما يتناسب مع أحكام الشريعة من قبل لجنة مراجعة القوانين، فعلى الجهات المسؤولة العمل بالقانون المعدَّل بما يوافق الشريعة الإسلامية؛ دفعًا للحرج عن المسلمين، وقطعًا لدابر الفتنة والفساد، بتنفيذ أحكام الله، نسأل الله لهم التوفيق والسداد، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

      

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

09/جمادى الأولى/1438 هـ

06/فبراير/2017م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق