بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5634)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن شركة م لإدارة واستثمار الأسواق، مكلَّفونَ بإدارةِ المركزِ التجاري (ص مول) منذ ثلاثِ سنواتٍ، وترجعُ مِلكية هذا المركز لشركاء مِن عائلةٍ واحدة، حيث نقومُ بجبايةِ إيجاراتِ المحلات الموجودة فيه شهريًّا، ويخصم منه المصروفاتُ مِن مرتباتٍ وصيانةٍ وغيرها، وباقي المبلغ يُسلمُ إلى مدير عام الشركة للاحتفاظِ به، وقد أفاد المديرُ مؤخرًا أنه قد تصرفَ في جزءٍ من المبلغ كزكاةِ مالٍ عن أصحابِ المركز (العائلة)، دونَ علمٍ منهم أو توكيلٍ بإخراج الزكاة، فهل يجزئُ المبلغُ الذي أخرجَه المدير عن زكاةِ باقي الشركاءِ، أم لا؟ علمًا أنّ المديرَ الذي أخرجَ المبلغ كزكاةٍ هو أحد الشركاءِ المالكينَ للمركز التجاري.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الزكاةَ عبادةٌ تفتقر إلى نيةٍ عند أدائِها، فلابدَّ للمزكِّي أنْ ينويَ ما وجبَ عليه عند دفعها، فإن تأخرتِ النيةُ عن وقتِ إخراجِها لم تجزِئ، قال الدردير رحمه الله: “(ووجبَ) على المزكي (نيتها) أي نية الزكاة عند عزلها أو دفعها لمستحقها” [الشرح الكبير:2/112]، وقال الدسوقي رحمه الله: “… قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) أَيْ لَا عِنْدَ عَزْلِهَا وَلَا عِنْدَ دَفْعِهَا وَإِنَّمَا نَوَى بَعْدَهُ… لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَ عَزْلِهَا أَوْ دَفْعِهَا”[ حاشية الدسوقي:1/500].
وليس للشريك التصرف في مال الشركاء إلا فيما أُذن له فيه، ولو تصرّف في غير ذلك فقد تعدّى، ويعتبر ضامنًا له؛ لأنّ المعتبر عند الفقهاء أنّ يدَ الشريكِ يدُ أمانةٍ بالنسبةِ لمالِ الشركة، أيًّا كانَ نوعُها، والقاعدة في الأماناتِ أنها لا تضمنُ إلا بالتعدي أو التقصير، قال الحطاب رحمه الله: “وَكُلُّ أَمِينٍ إذَا ضَيَّعَ أَمَانَتَهُ أَوْ تَعَدَّى فِيهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا” [مواهب الجليل:4/246].
عليه؛ فإن كان الحالُ كما ذكر في السؤال، فإن إخراجَ الزكاةِ عن الشركاء دونَ علمٍ أو توكيلٍ منهم لا يجزئ؛ لافتقارها للنيةِ عند إخراجها؛ لكونها عبادة، وما فعله الشريكُ من إخراج الزكاة دون علمٍ أو توكيلٍ من باقي الشركاءِ، يعتبرُ من التعدّي، ويضمنُ مال باقي الشركاء في هذه الحال؛ ولباقي الشركاء الرجوعُ عليه بما ينوبُهم من المال الذي أخرجه في الزكاة، أو أن يحتسبُوا ما أخرجه صدقةً عليهم، ويجبُ عليهم إخراجُ الزكاة من جديدٍ في الحالتين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//ذو القعدة//1445هـ
26//05//2024م