بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4095)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أَذِنَ لي والدي بالسكن في الطابق الثاني من بيته، وأنا لا أملك أي مستند قانوني يفيد تملكي للبيت بهذا الإذن، وإنما أذن لي مشافهة، علما بأن البيت من تشييد والدي، وكان قبل أن يتوفى قد اشترى لكل واحد من إخوتي شقة، وسجلها باسم ساكنها، والآن إخوتي يقولون لي إن الطابق الثاني من البيت ميراث لنا نحن الأولاد، أما الدور الأرضي فإنه سيكون للبنات، حسب وصية الوالد والوالدة، فما الحكم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن مجردَ إذن الأبِ لأبنائه بالسكنى، لا يعتبر تمليكًا، بل لابدَّ من أن يصرحَ بالهبة أو البيع، ويشهد على ذلك، قال المواق رحمه الله: “وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الِابْنُ مِنْهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِالْإِشْهَادِ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ” [التاج والإكليل:11/8]، والهبة لابدّ في صحتها من تصريح أو قرينة تدل على التمليك، ولا يكفي الإذن بالسكنى، قال الدردير رحمه الله: “(الْهِبَةُ)… تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ… بِصِيغَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ وَمُرَادُهُ بِهَا مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ صَرِيحًا كَوَهَبْتُ وَمَلَّكْتُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ (مُفْهِمِهَا) أَيْ مُفْهِمِ مَعْنَاهَا مِنْ قَوْلٍ كَخُذْ، أَوْ فِعْلٍ كَمَا بَالَغَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُفْهِمُ (بِفِعْلٍ)” [الشرح الكبير:4/100].
وأما وصية الأب والأم للبنات فهي وصية لوارثٍ، لا تجوز، إلّا إن أجازها الورثة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) [أبوداود:2870]؛ وزادَ الدارقطني: (إِلّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ)[سنن الدارقطني:89]، وإذا أجاز الورثة تنفيذ الوصية، فإنه يُعدّ عطيةً منهم، وفي هذه الحال على الاولاد الذين تمت لهم الهبة من والدهم وحازوها أن ينظروا بعين العدل والإنصاف، إلى باقي إخوتهم الذين لم تتم لهم العطية من أبيهم، بحيث يعوضونهم عما كانت نية أبيهم أن يملكهم إياه، ولكنه أخفق في اتخاذ الإجراءات الصحيحة لتنفيذ ما نواه فالأولى لهم؛ مراعاة لرغبة والدهم، وتحقيقا للعدل بين الأولاد أن يقروا ما أراد أبوهم أن يعطيه لباقي الاخوة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25// جمادى الأولى// 1441هـ
20// 01// 2020م