بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5691)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يوجدُ عددٌ من القبورِ القديمة، الموجودةِ بمنطقةٍ منخفضةِ المستوَى بحوالي مترٍ عن باقي أرضِ المقبرة، الكائنةِ بشارعِ سيدي عثمان شرقَ المسجدِ، ونظرًا لامتلاءِ باقي أرض المقبرة بالقبور، وعدمِ وجودِ أرضٍ بديلةٍ يمكن استغلالها لهذا الغرض؛ فهل يجوزُ ردمُ هذا الجزء المنخفضِ بالتراب، واستغلاله للدفن مستقبلًا؟ وقد أرفقَ الموقعون على السؤال طلبًا من السيد ع ع ق، أن يؤخذ في الاعتبار بقاء معالم القبورِ والشواهدِ بهذه المنطقةِ المنخفضة، ومنها قبرُ والده ووالدته وعمِّه وشقيقتِه، آخر هؤلاء دفنًا بتاريخ: 30/ 07/ 2023م، وعند زيارةِ المقبرة من قبل الشيخِ المكلفِ من دار الإفتاء، تبيَّنَ أنّ المقبرةَ لم يدفنْ بها منذُ خمسةٍ وأربعينَ (45) عامًا في بعض النواحي، ومنذ أكثر مِن خمسةٍ وسبعينَ (75) عامًا في نواحي أخرى.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالأصلُ أن لا يُتصرّف في المقبرة بأيّ نوعٍ من أنواع التّصرّف؛ لأنّ القبر حبس على صاحبه، ما دامَ به شيءٌ من عظامِه غير عَجْب الذَنَب، قال ابن الحاج رحمه الله: “… وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِظَامهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا” [المدخل: 2/18-19]، وقال الدّردير رحمه الله: “(وَلَا يُنْبَشُ) أَيْ يَحْرُمُ (مَا دَامَ) الْمَيِّتُ أَيْ مُدَّةَ ظَنِّ دَوَامِ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِهِ غَيْرَ عَجْبِ الذَّنَبِ (بِهِ)” [الشرح الكبير: 1/428]، ولأنّ فيه إيذاءً للأمواتِ، فقد صحّ عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (كَسْرُ عَظْمِ المَيّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [أبوداود: 3207].
عليه؛ فإذا تحققتمْ مِن فناءِ عظامِ الموتى، وأنها صارتْ ترابًا، واستعنتمْ في ذلكَ بأهلِ الخبرةِ والمعرفةِ، جازَ لكم حينئذٍ الدفنُ في الأجزاء القديمة من المقبرة التي بليت عظامها، دون حاجة إلى ردمِها، وللتحقق من ذلك يمكن تكليف أهل المعرفة والخبرة بنبش بعض القبور، في الجزء الذي مضى على انقطاع الدفن فيه المدّةُ الطويلة، وبناء عليه إذا تبين فناء ما في القبور من الأموات جاز لكم الدفن فيها من جديد.
وإذا تبيّنَ أَنّ العِظَامَ ما تزال في القبور، فلا يجوز نبش القبر والدفن فيه، ولا ردمه بالتراب مباشرة عليه ثم الحفر خلال الردم والدفن فيه، ويمكنكم للاستفادةِ مِن الْمَقْبَرَةِ أن تُغطّى القبور بطبقةٍ من الخرسانةِ المسلَّحة، قائمةٍ على قواعدَ تُحفرُ في كلّ مسافةٍ من المقبرة، تُحمل عليها الخرسانات، ثم تُردم الخرساناتُ بمستوًى من التّراب، يَتم الدفن فيه، هذه هي الطّريقة الّتي يكون بها الرّدم، إنْ أردتم أنْ تستفيدوا من المقبرة بالدفنِ فوق القبور التي لم تبل عظامها، بحيثُ تحفظُ حرمةُ هذه القبور، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/ذو الحجة/1445هـ
30/06/2024م