إقامة الحدود لولي الأمر ومن ينوب عنه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3279)
السادة/ مجلس شورى ثوار درنة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد؛
فبالإشارة إلى مراسلتكم، التي تضمنت السؤالين التاليين:
السؤال الأول: تمكن المجلسُ من القبض على شخصين، يتبعانِ خليةً تتجسس لمصلحة ما يسمى بعملية الكرامة، واعترفا بجرمهما، فأحدهما يقوم برصد مواقع مجلس الشورى المستهدفة، ثم يخبر الآخر – وهو رئيس الخلية – والذي بدوره يقوم بإبلاغ غرفة العمليات، وإعطاء إحداثيات المواقع لقصفها، وترتب على ذلك قتل وإصابة مدنيين، وهلاك أموال، علمًا بأنهما أظهرا التوبة والندم، ويحافظان على فرائض الصوم والصلاة ونوافلهما، وأحدهما – وهو رئيس الخلية – ادعى أبوه أنه مختلٌّ عقليًّا، ولم يظهر لنا منه شيء غير طبيعي أثناء تعاملنا معه، وقد أثبت تقرير الطبيب المختص أن به ضمورًا في خلايا المخ، فما حكمهما شرعًا؟
السؤال الثاني: قام شخص بقتل شقيقه عامدًا متعمدًا، ثم سلم نفسه إلى الشرطة، مُقرًّا بالقتل العمد، وبأنه فعل ذلك بكاملِ قواه العقلية، وأنه قتلَهُ لأنه أرغمه على العلاجِ مِن الإدمان في مصر، وحبسه هناكَ عند طبيبٍ نفساني. والآن يطالبُ كلٌّ مِن أمِّه وزوجتِه وعمّه وإخوته بالقصاصِ منه، علمًا بأنّ القاتلَ كان مدمنًا للمخدراتِ، ولكنه عالج من الإدمان في مصر، بإصرار ونفقة أخيه المقتول، وهو أيضًا الذي زوّجَه، واهتم به منذ الصغرِ، فما الحكم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمثل هذه القضايا يتعين رفعُها للقضاء؛ فهو جهة الاختصاصِ، المخولة بتنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وإنصافِ المظلوم، والقصاصِ من القاتل؛ لأنّ الحدودَ والحقوق يحتاج إثباتُها إلى النظر في البينات، واختبارها من قبل الحكام؛ لقول الله تعالى: (وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق:2]، وقوله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) [النساء:58]، قال القرطبي رحمه الله: “لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص، وإقامة الحدود، وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود” [الجامع لأحكام القرآن: 2/245].
والقضاة هم الذين يقومون مقام الإمام في تنفيذ الأحكام، فعليكم أن ترجعوا المحاكم والنيابات وكل الأجهزة القضائية إلى عملها، فهم المؤهلون للقيام بهذه المهام؛ لأن الفصل في الخصومات وما يتطلبه من إجراءات يحتاج إلى دربة وخبرة، لا يقدر عليه كل أحدٍ، وقد سهلت عليهم المهمة الآن، بعد اكتمال مراجعة القوانين وتعديلها بما يوافق الشريعة الإسلامية، فعليهم أن يضموا إلى القوانين السابقة – التي هم على علم بها – تعديلاتها الصادرة من المؤتمر الوطني العام، ويجعلوها دليلا في إجراءاتهم وأحكامهم، والقيام بهذا الأمر أيسر عليهم من غيرهم، فعليكم أن تقنعوهم بالرجوع إلى العمل، وتقوموا بحمايتهم، وتقدِّروهم، وهذا أمر في غاية الأهمية؛ لأن إرجاع المؤسسة القضائية للعمل، يضفي على المدينة طابع الشعور بالأمن والاستقرار، وذلك باكتمال مؤسساتها وتعاونها، وسيكون له أثر إيجابي كبير في الترابط الاجتماعي، ورفع الحصار عن المدينة، والتخفيف من معاناة أهلها، وسيقومونَ عنكم بعبءٍ أنتم في أمس الحاجةِ إلى من يقوم بهِ، ومصلحةُ البلد تقتضيهِ، ولا تتحققُ إلا بهِ، وإبعادُ القضاةِ المؤهلين من كبار السن، وإسناد عملهم إلى شبابٍ صغارٍ، تنقصهم الخبرة والتجربةُ وربما الكفاءةُ العلميةُ؛ لا يخدمُ استقرارَ بلادكم، وإشاعة الطمأنينة والراحةِ بين الناسِ، وستبقى الأوضاع مرشحةً في كل وقت للفوضى والهرج، ما لم ترجع المؤسسةُ القضائيةُ للعمل، وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06/شعبان/1438 هـ
03/مايو/2017م