بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1651)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
قام رجل بدفع قطعة أرض على وجه المغارسة لرجل آخر، وهذه الأرض المدفوعة مشتركة مع أختيه، وبعد انقضاء الأجل، واستيفاء الشروط المذكورة في عقد المغارسة، قاما بقسمة الأرض، وبعد سنين طويلة قامت الأختان بمطالبة العامل بنصيبيهما في تلك الأرض، مدعيتان أنهما لم تحضرا عقد المغارسة، ولم توقعا عليه، علما بأنهما تقيمان بنفس القرية، وقد سكتتا طيلة العقود الماضية، وهما على علم بما أحدثه العامل في الأرض من غرس، وبناء، وقسمة، وتسجيل بالسجل العقاري، فما الحكم أثابكم الله؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن سكوتهما طيلة هذه المدة يُعَد رضًا منهما عن المغارسة المذكورة؛ وإلا لاعترضتا عليها، قال التسولي: “ما يعلم بمستقر العادة أن أحدًا لا يسكت عنه إلا برضا منه، فيكون إذنًا ورضا” [البهجة:64/5]، وتُعَد حيازة العامل للأرض على نحو ما ذُكر حيازة شرعية، فإن الحيازة هي وضع اليد على الشيء، والتصرف فيه تصرف المالك مدة طويلة، والتصرف يكون بواحد من أمور: إسكان، أو زرع، أو غرس، أو استغلال، أو هبة، أو صدقة، أو بيع، أو هدم، أو بناء، أو قطع شجر، والحائز المتصرف في العقار؛ إما أن يكون أجنبيا عن المدعي، غير شريك له، أو أجنبيا شريكا، أو قريبا، فالأول لا تقبل فيه دعوى الملك بعد عشر سنين، مِن حاضر ساكت عالم، بلا مانع وعذر، مِن إكراه وصغر وسفه ونحوه، والثاني كذلك لا تقبل فيه من شريكه الحاضر دعوى بعد عشر سنين، إلا إذا كان تصرفه يسيرا، كبناءٍ قلَّ وغرس شجرة، ونحوه، أو هدم ما يخشى سقوطه، وفي الحائز القريب لا تقبل الدعوى ضده بعد أربعين سنة. [ينظر: المدونة الكبرى:192/13، والشرح الكبير:234/4، ومواهب الجليل:224/6-229].
وعليه؛ فإذا كان المغارس يتصرف في حصته مدة تصل إلى عشر سنين، والأختان لم يمنعهما مانع – كخوف، أو عدم علم بالمغارسة المذكورة – من المطالبة بحقيهما، وسكتتا طول هذه المدة، فهذا يُعَدَّ منهما إذنا ورضا بالمغارسة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
27/صفر/1435هـ
2013/12/30م