بسم الله الرحمن الرحيم
(إن الله يدافع عن الذينءامنوا) .. فارفعوا الأصوات بالتكبير والتحميد
كلّما اشتدّ الكرب على المسلم؛ اشتدّت حاجتُه إلى ربه، والْتِجاؤُهُ إِليه، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ).
التكبيرُ والتحميد، وذكر الله تعالى بالقلبِ وبالجوارحِ وباللسان، تطمئنُّ به القلوبُ عندَ الفزعِ، والنفوسُ عند الجزعِ.
تُدْبِرُ عند سماعه الشياطينُ، ويُستجلَبُ به النصرُ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
دعوة إلى انطلاق التكبيرِ من مكبراتِ الصوتِ، في أرجاءِ المدنِ والقُرَى، في طولِ البلادِ وعرضِها، مِن أعلى المآذنِ، وفي المساجدِ والطرقاتِ والأسواقِ، كما كانَ عليه الحالُ أيامَ معاركِ التحريرِ والنصرِ.
البلدُ تعيشُ وقتًا بالغ الصعوبة؛ يقصف فيه أهل البغي المدن الليبية والأهداف المدنية بالطائرات كل يوم .
المعركة تمايزت فيها الصفوف، هما فريقان في جبهات القتال، وكذلك في قنوات الإعلام، فريق مع الثورة، يقوده من بقي على المبدأ من الثوار الأبطال، وفريق ضد الثورة، تحالف مع قذاف الدم وحفتر وأركان النظام، يعملون ليل نهار للقضاء على الثوار، ويصفونهم جميعا بالإرهاب.
حاولوا بالأمس القريب مع ما يسمى جيش القبائل، صحبة إعلام محرض على القتل مضلل، بث الرعب والهلع في نفوس الآمنين يوم راحتهم، كان الناس في مدينة طرابلس الوادعة الآمنة صباح الجمعة في شغل مع ربهم، يصلون سنة الكسوف، داعين متضرعين خائفين، كما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، يُحيون سنته.
وكانت قوى البغي والخيانة مما يسمى جيش القبائل وحلفاءهم في شغل مع الشيطان، يُبَيِّتون القتل، ويُضمرون الخيانة والغدر، قالت حكومة حفتر في طبرق عنهم أتوا لتطهير مدينة طرابلس!
تطهيرها ممن؟ من المصلين؟!!
لا نجد لقولكِ هذا شبها يا حكومة طبرق، إلا ما قص الله عن الظالمين من قوم لوط (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
لقد أمطر الله قوى البغي والخيانة بوابل من نار الثوار الصادقين الأبرار، الذين كانوا في شغل مع ربهم، ولم يكونوا صبيحتها في الميادين (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ).
تنادوا بفضل الله من كل حدب وصوب، تجمعوا في وقت قصير، تعجز جيوش الاحتياط المنظمة في الدول المتقدمة أن تقايسه، أعلنوا النفير، ورفعوا أصواتهم بالتكبير، فردوا البغاةَ في ساعات قليلة على أعقابهم مدبرين (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا)
رفعُ الصوت بالتكبير في هذا الوقت العصيب التجاء إلى الله مطلوبٌ؛ لِما فيه مِن إراحَةِ النفوس، وبعثِ الهمّةِ، وإذكاءِ روحِ الحماسِ، وجمع الكلمة، واستحلال النصر.
وفي كتبِ السنةِ بابٌ معقودٌ لهذا المعنى؛ (بابُ الصياحِ عندَ الفزعِ، وحالَ الرّمي، لإرهابِ العدوّ).
قالَ أهلُ العلم: والأَولَى أن يكونَ – أي: رفعُ الصوت – بذكر الله تعالى، بالتكبيرِ ونحوِه، ومِمّا ذكرُوه في هذا البابِ ما كان أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يرفعونَ به أصواتَهم عندَ حفرِ الخندقِ، يوم الأحزابِ، كانت المدينة تتجاوبُ بهتافهم:
اللهمَّ لولا أنتَ مَا اهتدينَا .. ولا تصدَّقنَا ولا صَلَّيْنا
فـأَنـزِلَـنْ سَكـينَةً عـليْـنَا .. وثبِّتِ الأقدَامَ إِنْ لَاقَيْنا
إنّ الأعْداءَ قدْ بَغَوا عَلينا.. إذا أرادُوا فـتنةً أَبَيـنا
وحينَ قال الأنصارُ يومَها، للحماسَة:
نحنُ الّذينَ بَايَعوا مُحمّدا .. على الجِهادِ مَا حَيِينا أبَدا
أجابَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
اللهمّ لَا عيشَ إلّا عيشُ الآخرَة
فَأصلِحِ الأنْصارَ والمُهاجِرَة
واستدلّ البخاريّ على هذا بحديثِ سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: (خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ، لَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، قُلْتُ: وَيْحَكَ مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ، أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا: يَا صَبَاحَاهْ، يَا صَبَاحَاهْ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ، فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا، فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ، وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ، فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ).
شرح الألفاظ:
(اللقاح): الإبل، (لابتيها) مفردها (لابة): أرض مغطاة بحجارة سود تقع في الحد الشرقي والغربي للمدينة النبوية، أي: أسمَع ابنُ الأكوع بالصوت عندما فزعَ، كلّ أرجاءِ المدينة.
(واليوم يوم الرضع): اليوم يعرف من تربى على الحرب وخبِرها وتمرس فيها، ممن لم يعرفها.
(مَلكتَ فأسجح): غَلبتَ وانتصرتَ فتساهَلْ ولا تتشدَّد، اعف إذا قدرت.
(إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ): مَن تطلبُهم قدْ وصلُوا إلى ديارِهم، وهم الآنَ عندَ قومهم يُضَيّفُون.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الأربعاء 4 جمادى الآخرة 1436 هـ
الموافق 25 مارس 2015 م