اتخاذ المصلي جهازا الكترونيا لضبط أفعال الصلاة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3389)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ظهرت في السنوات الأخيرة في بعض البلدان أجهزة وبرامج إلكترونية مختلفة، تقوم بحساب عدد مرات الركوع والسجود والقيام والجلوس في الصلاة، وتنبه المصلي عند السهو، وهي نافعة للمبتلين بكثرة الوسوسة، الّذين تضيق صدورهم، ويلبس عليهم الشيطان، فلا يطمئنون إلا بإعادة الصلاة مرة أخرى بل مرات، ومما اسْتُنِدَ عليه في جواز استعمال هذه الأجهزة: نَصُّ الفقهاء على شرعية تنبيه غير المصلي لمن يصلي، عند الخطأ في الصلاة؛ قال الباجي رحمه الله: “ولا بأس أن يَفتَحَ مَن ليس في صلاة على مَن هو في صلاة، قاله مالك في المختصر” [المنتقى:152/1]، وتجويزهم لمن ابتلي بالوسواس وكثرة السهو اتخاذ شيء لعدّ الركعات، حتى لو احتاج لبعض الحركة، وذلك لمصلحة الصلاة؛ قال الخرشي رحمه الله: “وليس من العبث تحويل خاتمه من إصبع لآخر لعدد الركعات خوف السهو؛ لأن فعل ذلك لإصلاح الصلاة” [شرح خليل:294/1]، وقد ثبت هذا من فعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ قال ابن رجب رحمه الله: “وروى الفضل بن شاذان الرازي المقري في كتابه عدِّ الآي، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة؛ أنها كانت إذا صلَّت المكتوبة عدَّت صلاتها بخاتمها، تحوِّلها في يديها حتى تفرغ من صلاتها، تحفظ به” [أحكام الخواتيم:ص109]، وجوز القاضي أبو الوليد رحمه الله النظر في مصحف لإصلاح ركن الصلاة وهي الفاتحة، بقوله: “وَلْيَنْظُرْ فِي مُصْحَفٍ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ فَرْضِهِ” [المنتقى للباجي:153/1]، فما حكم هذه الأجهزة حسب التعليلات والأدلة المذكورة؟ [مرفق مع السؤال وصف دقيق لطريقة عمل أحد هذه الأجهزة].
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المصلي مطالب باستحضار النية، وتدبر أذكار الصلاة، ومجاهدة النفس على الخشوع، وانقطاعه لصلاته، وذلك أعظم ما يرجوه المصلي من صلاته، فإن المصلي يناجي ربه، وهذا يتطلب استبعاد كل مشغل، ولذلك شرعت السترة في الصلاة بشيء لا يشغل، ومنع المرور من أمام المصلي، وكره تزويق المساجد وتزيين المحاريب، ولو بآيات القرآن الكريم، وكرهوا للمصلي النظر في المصحف لغير ضرورة، وبعض أهل العلم يجعل النظر في المصحف مبطلا للصلاة، والبرنامج الوارد السؤال عنه، وإن أعان على إحصاء عدد الركعات؛ فإنه يشغل عن لُبِّـها، وما شرعت الصلاة لأجله، وهو المناجاة، فهو يتطلب أن يحيط المصلي نفسه بعدد من الأجهزة؛ هاتف على صدره، وجهاز تحكم دقيق على طرف سجادته، وحساس في موضع جلوسه، وشاشة صغيرة على طرف سجادته، ومثل هذا لا يصلح للمصلي، وقد يجعله ينتظر الأوامر كالإنسان الآلي، بل يشغل حتى من حوله من المصلين، وقد جعل الشرع للموسوس في الصلاة – وهو ما يسمى المستنكِح – حلًّا أسهلَ كلفة وتطبيقًا، فمستنكح السهو، وهو من يلازمه السهو ولو مرة في اليوم، أي يعلم أنه قد سهى، ويعلم ما سهى عنه، ولا يستطيع تفاديه، فطلب منه أن يصلح ما أمكنه، وذلك بتدارك ما فاته، ولا يلزمه سجود، ومستنكح الشك، وهو من يلازمه الشك ولو مرة في اليوم، أي يشك هل ترك شيئا أم لم يتركه، فطلب منه أن يلهى ويعرض عنه، فلا يأتي بما شك فيه، ويسجد للسهو ترغيما للشيطان، فليس في هذا الحل كلفة ولا عناء.
وما قاله الفقهاء من تحريك الخاتم لضبط الركعات، هو من الأفعال القليلة، التي تنقطع ولا تدوم، مثل الالتفات، والإشارة بالرأس أو اليد للحاجة، والإشارة لرد السلام، ونحو ذلك من الأفعال القليلة، التي لا يدوم انشغال المصلي بها.
ثم إن هذا البرنامج لا يمكنه التعامل إلا مع بعض حالات السهو، وهي الركوع والسجود، دون السهو الواقع في قراءة الفاتحة مثلا، أو التكبيرات والتشهد وغير ذلك، وقد يسجد المصلي للتلاوة، فيختل نظام البرنامج، بخلاف برنامج الفقهاء لمعالجة السهو، فهو شامل لكل أنواع السهو المحتملة، فالعمل به أولى من العمل بما قد يزيد المصلي – في وقتنا – شغلا على شغله.
أما من ابتلي بالوسواس القهري بصورة دائمة في حياته، فالذي يفيده هو الإعراض عنه، ولا يتخلص منه صاحبه إلا إذا انتهى إلى يقين، أن ما يأتيه قهرا لا إثم عليه فيه؛ لأنه خارج عن مقدوره، وغير مكلف به، فإذا وصل إلى ذلك انفض عنه، وارتحل على الفور، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/المحرم/1439هـ
09/أكتوبر/2017م