طلب فتوى
التبرعاتالعباداتالفتاوىالقرآن الكريم وعلومهالمساجدالمعاملاتالوقف

اتخاذ مسجد قديم مركزًا لتحفيظ كتاب الله

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5987)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

مسجد (حُنين) بتاجوراء مسجدٌ قديمٌ صغيرٌ، تُقامُ فيه الصلوات الخمس دون الجمعة، جزءٌ منه متهالك، كان دورات مياه فيما سبق، وبجواره مسجدٌ آخر بُنِيَ حديثًا، يُعرفُ بالمسجد الجديد، تُقامُ فيه الصلوات الخمس والجمعة، وموقف سيارات المسجد الجديد ضيقٌ؛ فهل تجوز توسعته بضم الجزء المتهالك من المسجد القديم إليه؟ علمًا أن التوسعة ليست كبيرةً، لا تسعُ أكثر من سبع سياراتٍ، وسيُضطرُّ كثير من المصلين إلى ركن سياراتهم بالطريق العام، ولا تمكن التوسعة إلا من هذه الجهة، وهل يجوز اتخاذ بقية المسجد القديم مركزًا لتحفيظ القرآن للبنات؛ لمنع اختلاطهن بالطلبة، الذين يدرسون بقبو المسجد الجديد؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالأصل أن المسجد حبس، لا يتصرف فيه بتغيير أو تعطيل؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَنم بَدَّلَهُو بَعْدَ مَا سَمِعَهُو فَإِنَّمَا إِثْمُهُو عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُو إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 181]، قال المواق رحمه الله: “(وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إِنْ جَازَ)، قال ابْنُ الْحَاجِبِ رحمه الله: مَهْمَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مَا يَجُوزُ لَهُ اتُّبِعَ” [التاج والإكليل: 7/649].

أما بعد الوقوع والنزول، فإن استغني عن المسجد القديم بالمسجد الجديد، وتُيُقِّنَتْ عدم عمارة القديم مسجدًا من جديد، بسبب كفاية المسجدِ الجديدِ للناس، وتحققتْ حاجةُ الناس إلى هذا المكان ليكونَ مركزًا لتحفيظ القرآن، ورأت اللجنة المشرفة على المسجد أن المصلحة متحققةٌ في ذلك، فيجوز تحويله إلى مركز تحفيظ؛ تقليدًا لقول بعض أهل العلم من المالكية وغيرهم، وعملًا باجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أخرج الطبراني رحمه الله في الكبير، عن القاسم رحمه الله قَالَ: “قَدِمَ عَبْدُ اللهِ وَقَدْ بَنَى سَعْدٌ الْقَصْرَ، وَاتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي أَصْحَابِ التَّمْرِ، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ، فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ اللهِ بَيْتَ الْمَالِ نُقِبَ بَيْتُ الْمَالِ، فَأَخَذَ الرَّجُلَ، فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَر رضي الله عنه: (أَنْ لَا تَقْطَعْهُ، وَانْقُلِ الْمَسْجِدَ، وَاجْعَلْ بَيْتَ الْمَالِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي)، فَنَقَلَهُ عَبْدُ اللهِ وَخَطَّ هَذِهِ الْخُطَّةَ” [معجم الطبراني: 8949]، وفي مسائل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، قال صالح بن أحمد رحمه الله: “قُلْتُ لِأَبِي: الْمَسْجِدُ يَخْرَبُ وَيَذْهَبُ أَهْلُهُ؛ تَرَى أَن يُحَوَّلَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ يُرِيدُ مَنْفَعَةَ النَّاسِ فَنَعَمْ، وَإِلاَّ فَلَا” [405].

عليه؛ فيجوز اتخاذ المسجد القديم مركزًا لتحفيظ البنات كتاب الله، ولا يجوز جعل جزء منه موقفًا للسيارات؛ فالمصلحة فيه غير متحققة، ويجب على اللجنة المشرفة بذل الوسع في صيانة الجزء المتهالك من المسجد القديم للانتفاع به فيما ذُكر، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن بن حسين قدوع

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

21//شوال//1446هـ

20//إبريل//2025م  

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق