استصلاح مشروع وادي كعام الزراعي وضم أراضي مملوكة لمواطنين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2693)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
في بدايةِ السبعينيات؛ تم إنشاءُ مجلس استصلاح وتعمير الأراضي، التابع لوزارة الزراعة، ومن مهامّه عمل دراسات ومخططات، للأراضي البور والصحراوية الصالحةِ للزراعة، بحيث يتمّ استصلاحها وتعميرها وزراعتها، وتقسيمها إلى وحداتٍ زراعية منتجة، وتوزع على المواطنين ذوي الدخل المحدودِ، بشرط أن يكونوا مِن المشتغلين بالزراعةِ، أو القادرين على القيام بذلك، والأولوية للأكثر عائلة والأقلِّ مالًا، حسب نص القانون 123 لسنة 1970م.
ومن ضمن هذه الأراضي التي تم استصلاحها، مشروع وادي كعام الزراعي، بين زليتن والخمس، حيث كان أكثره أرضًا وعرةً، وغيرَ مستوية، وكانت الأراضي المستوية يقطنها فلاحون، يمارسون طرقًا زراعيةً بدائيةً، في أراضٍ مساحتُها صغيرةٌ جدًّا، وشَكلَت الدولةُ لجنةً لحصر ممتلكات المواطنين، الداخلةِ في حدود المشروعِ، سواء المنقولة أو الثابتة، أو الأشجار، ولجنةً أخرى لتقويمها حسبَ سعر السوقِ يومئذ، ثم قامت بتسويةِ أراضي المشروع، واستصلاحِها وتخطيطها، وزراعةِ أشجار الفاكهة والحمضيات، وأنشأت سدًّا وآبارًا وشبكاتِ ري، وقسمتها إلى مزارع متساوية المساحة، مساحةُ كلّ مزرعةٍ ستةُ هكتارات، وبها بيت، وشقَّت الطرقَ بين المزارع، ووزعتها حسبَ الشروط، ثم قامت ببناء وحداتٍ سكنية للمواطنين، الذين كانوا يسكنون داخل حدود المشروع، ولم يتحصلوا على مزارع، إلا أن بعضَهم رفضوا التعويضات، بل كانوا رافضين لفكرةِ المشروع ابتداءً، مما تسبب في إلغاء التعويضِ المادي من الدولة، وفَتحِ باب الطعون لمدة ثلاثِ سنوات، للمواطنينَ، الذين لم يتحصلوا على مزارعَ، ولهم أحقيةٌ فيها، وفصل القضاء في جميعِ الطعون المقدمة، وأَبرمتِ الدولة عقودًا مع المنتفعين بالمزارع عن طريق المصرف الزراعي، على أنْ يدفعوا أقساطًا سنويةً للدولةِ، ويشملُ العقدُ المبلغَ الماليّ المخصصَ للمزرعة لغرض التمليك، وما زالت العقودُ ساريةً، وما زالت المزارع في وضع الانتفاع، ولم تملك بعد.
وفي هذه الأيام اقتحم مسلحونَ مزارع المشروع، وقاموا بتجريفِ الأرض، وقطع الأشجار، وتغيير المعالم، وترهيب المزارعين، بحجة أن لديهم أراضٍ داخلَ المشروع، ويريدون تفكيكَ هذه المؤسسة التابعة للدولة، مستغلين الظروف الحالية.
وعليه؛ هل يجوز لهؤلاء المقتحمين أخذُ حقهم بهذه الطريقة؟ وما حكمُ من يستغل ظروفَ البلد الحالية لتفكيك مؤسسةٍ للدولة بأيّ حجة؟ وهل يجوز للمنتفعين بالمزارع بيعُها قبل التمليك لهم، أو إعطاؤُها لمن يدعي فيها حقًّا، دون الرجوع إلى الجهات المختصة؟ وهل يجوز للدولة إقامة مشاريعَ ومصانعَ وطرقٍ للصالح العام على أملاك خاصة، من غير رضَا أصحابها، وأن تفرض عليهم أخذَ التعويض؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه ينبغي التقصي في أصلِ هذه الأراضي؛ فإن كانت مَواتا غير مملوكةٍ لأحد، فمن أعطي منها شيئًا حينئذٍ كان ملكُه له صحيحًا، وجاز له التصرف فيه، وإن كان أصل هذه الأراضي مملوكة لأصحابِها، فاستولت عليها الدولة، وصيرتها مشروعًا زراعيا، ثم خصصته لأناسٍ آخرين، فإذا كانت الدولة قد أعطت لصاحب الأرض تعويضًا بالثمن الحقيقي للأرض، وأبرمت معه عقدًا برضاه، فليس له أن يطالبَ بشيء؛ لأنه قبض العوض، ورضي به، أما إذا لم تدفع له الدولة عوضًا، أو دفعت عوضًا بخسًا، لم يرض به في ذلك الوقت، فله أن يطالب الدولة بالتعويض؛ لأن فعل الدولة حينها تعَدٍّ وغصب، لا يثبت به حقّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْق ظَالِم حَقٌّ) [أبوداود:3075]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي:5492].
أما مَن أخذت إراضيهم، فلا يجوز لهم استيفاء حقوقهم بقوة السلاح؛ لما يؤدي إليه من الهرج، وسفك الدماء، وإشاعة الفوضى؛ وفيه خروج عن الطاعة، ومفارقة للجماعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) [مسلم:4899]، بل يجب على من لهم حجة تثبت ملكهم للأرض، الرجوعُ في استردادِ حقهم إلى القنوات المعروفة، وما تقرره المحاكم والهيئات المخولة بذلك؛ لتنظر في صحة الحجج إنْ وُجدت، وصحةِ التخصيص الواقع من الدولة، ولا يجوز لأحد تغيير الوضع القائم، إلى أن يفصلَ القضاء، والواجبُ الانتظارُ حتى تخرجَ اللوائح الخاصة بحَلّ ما ترتب على بعض هذه القوانين الظالمةِ مِن مخالفات.
ولا يجوز للمنتفعين بهذه الأراضي ومن هي بأيديهم بيعُها، ولا التصرفُ فيها، وإعطاؤُها لغيرِهم؛ لأنهم لم يتملكوها بعد، فلا تزالُ على ملكِ الدولة، ولا يحلُّ لأحد أن يتصرفَ في ملكٍ غيرِ ملكه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07/صفر/1437هـ
19/نوفمبر/2015م