بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5598)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا صاحب شركة استيراد مواد غذائية، وعندما أعرض السلع على التجار يشترطون عليَّ أن تكونَ محميةَ السعر والصلاحية، حيث إنه إذا نزلَ سعر البضاعة أو قرب انتهاء صلاحيتها، وهي باقيةٌ أو جزءٌ منها لم يُبع، وقد انخفضَ سعر البضاعة عن سعر الشراء؛ فإنه سيخصمُ مني الفارق بين السعر الحالي والسعر الذي اشترى التاجرُ به، ولو أُخذ ثمن البضاعة كاملًا، وبهذه الطريقة يحفظُ نفسه من الخسارة، علما أني إذا رفضت فلنْ يقبلَها أحدٌ؛ لأنه عُرفُ سوقِ الجملة، فما حكم ذلك؟ وإذا كنت أبيع هذه السلعة عن طريق مندوبِي تسويقٍ، فهل يختلف الحكم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ اشتراط التزامَ البائع تحمّل نقصِ السعرِ وضمانَه بعد بيعهِ للمشتري، هو مِن شروطِ الحطيطة من الثمن التي تفسدُ العقد؛ لأنّ هذا الالتزامَ والشرطَ يجعلهُ من عقودِ المخاطرة والغرر؛ فهو يؤولُ إلى جهالةٍ في الثمن، وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الجهالة والغرر [مسلم: 1513]، وقال الإمام مالك رحمه الله: “فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، إِنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إِنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَبِيعَتْ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا”[الموطأ: 4/962]، قال ابن عبد البر رحمه الله معلقًا: “هَذَا الْبَيْعُ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ مَجْهُولٌ [لِشَرْطِ] الْبَائِعِ لِلْمُبْتَاعِ أَنَّهُ مَا خَسِرَ فِيهِ وَانْحَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ صَفْقَتِهِ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى ثَمَنٍ مَجْهُولٍ” [الاستذكار: 6/459].
وأما إن كانت حماية السعر مِن بائع السلعة متطوّعًا بها بعد العقد، فهي عِدَةٌ وَعَدَ بها المشترِي، فقيلَ: يجبُ الوفاءُ بها، وقيل: لا يلزمُ، ولا تفسدُ العقد، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَأَمَّا قَوْلُهُ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِعْ وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْكَ، فَهِيَ عِدَةٌ وَعَدَهُ بِهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي وُجُوبِهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا” [الاستذكار: 6/459].
وكذلك ضمان الصلاحية؛ إن كان مشروطًا في العقد فإنه يفسدُه؛ لما يترتبُ عليه من الغرر، حيث إنّ البائع لا يعلم وقت البيع ما تم له بيعُه بالفعل مِن سلعته التي تعاقدَ عليها، وما لم يتم، وأنّه سيردُّ له لانتهاء صلاحيته، قبلَ أن يباعَ.
عليه؛ فإن هذه المعاملةَ إن كانت مشروطةً ملتزمًا بها عندَ التعاقدِ فهي باطلةٌ، ويفسدُ بها البيعُ، ويجبُ ردُّهُ، وكذلك إن جرى بها العرف كما جاء في السؤال؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
ولا يختلفُ الحكم، سواء كان الشرط من التاجر نفسه أو مندوبي التسويق، وإذا وقع الأمر وحصلَ الممنوعُ، فلمشتري السلعة على هذه الصفة أجرةُ مثله، في توليهِ البيع، والسلعةُ باقيةٌ على ملك البائع، والثمن الذي بيعت به السلعةُ يكون للبائع، له ربحُها وعليه خسارتُها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/شوال/1445هـ
28/04/2024م