اشتراك المجني عليه مع الجاني في سبب الحادث الذي أدى إلى وفاته
تشطير الدية في الاشتراك في القتل الخطأ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4714)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
وقع حادثٌ مروريّ لأخي، فعندما كان يقودُ شاحنةً على الطريق الساحلي اعترضتهُ سيارةٌ مِن الطريق المعاكس، متجاوزةً الحاجز بين الطريقين، بسبب فقد التحكم بالسيارة إثر سرعة زائدة، ما أدّى لوفاةِ سائقة السيارة، فماذا يلزمُهُ؟ علمًا أنّ أخي خالف بعض مواد قانون السير، وأن رخصة قيادته وأوراق فحص السيارة منتهية الصلاحية.
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المرجع والمعول عليه في تحديد الخطأ، هو التفريط والتهاون في الشروط المطلوبة في قيادة المركبات، وسائقة السيارة التي قتلتْ مخالفةٌ لقانون السير بزيادة سرعتها، مما أدى إلى دخولها في الطريق المعاكس، ومشاركتها في ارتكاب الحادث الذي ماتت منه مشاركة بينة واضحة، وقائد الشاحنة أيضا مشاركٌ، لتفريطه وتهاونه في تجديد الفحص الفني والترخيص المطلوب لقيادة الشاحنة، وعدم التزامه بقانون السير، ويلزمه بسبب هذا التفريط ما يلزم قاتل الخطأ، لكن لوضوح إسهام المقتولة في الحادث بزيادة سرعتها وخروجها من الطريق إلى الطريق المعاكس، حسب ما ذكر في الشهادة في محضر المرور، صارت مشاركة بقتل نفسها في الدية، فالراجح في مثل هذه الحالة تشطر الدية بين الجاني والمجنيّ عليها، قال اللخمي: “قال أشهب في المجموعة فِي حَافِرَي البِئْرِ تَنْهَارُ عَلَيْهِمَا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، فَعَاقِلَةُ الْبَاقِي تَضْمَنُ نِصْفَ دِيَتِهِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ شَرِيكٌ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ وَلاَ تَعْقِل العاقلة قاتل نفسه كأن ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر؛ لشركة كل واحد فِي قَتْلِ نَفْسِهِ. وحكى ابن القصار عن أشهب، فِي الْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ، مِثْلُ ذَلِكَ أَنَّ النِّصْفَ يَسْقُطُ، وَهْوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ شَارَكَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ” [التبصرة: 13/6505].
وتجب على الحي وهو سائق الشاحنة الكفارة؛ لقوله تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَّصَّدَّقُواْ) [النساء: 92]؛ ولعدم وجود الرقبة يلزم صيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 92].
ونصف الدية على عاقلته؛ وهم العصبة – عائلته وقبيلته – قال ابن الحاجب رحمه الله: “وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا كَانَتْ خَطَأً أَوْ فِي حُكْمِهِ… وَهِيَ الْعَصَبَةُ، وَأُلْحِقَ بِهَا أَهْلُ الدِّيوَانِ لِعِلَّةِ التَّنَاصُرِ”[جامع الأمهات: 505].
والواجب في هذه الحالة نصف دية المرأة المسْلمة وهي على النصف من دية الرجل؛ وقَدْرُها كاملة على أهل الحاضرة والمدن خمسمائة دينار ذهبي، كل دينار يساوي أربع جرامات وخمسة وعشرين بالمائة، فيكون مجموعها ألفان ومائة وخمسة وعشرون جرامًا (2125). لحديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ) [السنن الكبرى للبيهقي: 7/67[.
عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، فيكون مقدار نصف الدية الواجب دفعها لأهل المجني عليها، مائتان وخمسون دينارا ذهبيا، أي ألفٌ واثنان وستون ونصف جرام من الذهب (1062.5)، ولهم أن يصطلحوا على أقل مما ذكر إذا رأوا ذلك، أو يعفوا عنه دونَ مقابل؛ لأن الديةَ حقّ لهم، قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (إِلاَّ أنْ يَّصَّدَّقُواْ): “وَأَمَّا الْكَفّارَةُ الَّتِي هِيَ للهِ تَعَالَى فَلَا تَسْقُطُ بِإِبْرَائِهِمْ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ الَّتِي هِيَ حَقُّ لَهُمْ” [تفسير القرطبي: 323/5]، إلا إذا كان للمقتولة ورثة قُصَّر؛ فلا يجوز للولي عليهم أن يتنازل عن شيء من حقِّهم؛ لأنه من تضييع حقوقهم، قال الدردير رحمه الله: “ولاَ يَعْفُو الوَلِيُّ فِي عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنَ الدِّيَةِ، إِلاَّ لِعُسْرٍ” [الشرح الكبير: 3/301]، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//ربيع الآخر//1443هـ
21//11//2021م