بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1002)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تقدمت قبل فترة لدار الإفتاء بسؤال عن حكم أخذ الهدايا لمعلم القرآن من طلبته، إذا لم يكن يتقاضى أجرة على ذلك، فجاءني شخصٌ بحديث رواه ابن ماجه، وأبو داود، وصححه الألباني، عن عبادة بن الصامت قال: (علّمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إليّ رجل منهم قوساً، فقلت: ليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها). فما تأويل هذا الحديث؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن أخذ الهدايا من طلبة القرآن لمن لا يتقاضى أجرة هو في معنى الأجرة، والأجرة من الطلاب محل خلاف بين أهل العلم، وجمهور أهل العلم من المالكية، والشافعية، وبعض الحنفية، على جواز أخذ الأجرة، والدليل على الجواز ماجاء في الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا؟ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ [أي : مجموعة من الغنم]، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) [رواه البخاري:5405].
قال النووي في شرحه للحديث: “هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذِّكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وكذا الأجرة على تعليم القرآن، وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وآخرين من السلف، ومَن بعدهم” [شرح النووي:188/14].
والحديث المذكور في السؤال ضعفه كثير من أهل العلم؛ لأن فيه مغيرة بن زيادة، مختلفٌ فيه، قال أحمد: مضطرب الحديث، أحاديثه مناكير، وقال أبو زرعة: في حديثه اضطراب، وفيه الأسود بن ثعلبة، قال عنه ابن حجر في (التقريب): مجهول، قال الإمام القرطبي: “وأما حديث عبادة بن الصامت؛ فرواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلي، عن عبادة بن نسي، عن الأسود بن ثعلبة، عنه، والمغيرة معروف بحمل العلم، ولكنه له مناكير، هذا منها. قاله أبو عمر”.اهـ [الجامع لأحكام القرآن 14/2]. ويعني بأبي عمر: ابن عبد البر، [التمهيد: 114/21].
وعلى فرض صحته، فهو محمول على أحد وجهين كما ذكر أهل العلم، إما على أن عبادة رضي الله عنه كان متبرعاً بالإحسان وبالتعليم، غير قاصد لأخذ الأجرة، فحذره صلى الله عليه وسلم من إبطال أجره وتوعده، وإما لأنه أخذ الأجرة من أهل الصفة، وأهل الصفة ناس فقراء، كانوا يعيشون بصدقة الناس، فأخذ المال منهم مكروه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25/ربيع الآخر/1434هـ
2013/3/7