الأملاك المغتصبة باقية على ملك أصحابها
التصرف في المغصوب والصلاة في مساجد مقامة على أراض مغصوبة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4586)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا (ح)، أخبرني والدي وأعمامي بأنه يوجد لدينا أرض ملك بالحجة بمصراتة، وقد آلتْ إليّ هذه الحججُ بعد وفاةِ والدي، وكان الإيطاليون قد اغتصبوا هذه الأرضَ مِن جدي، ثم استرجَعها بعد انتهاءِ الغزوِ الإيطاليّ، وآلت إلى بعضِ الورثةِ من بعده، وجزء من الأرض تمتْ مغارستهُ مع عائلةٍ مِن أبناءِ قبيلتنا، عن طريقِ أحدِ أعمامي، ثم اغتصبتْها هذه العائلةُ وباعتها فيما بينهم، وجزءٌ منها أخذهُ النظام السابق بقانون: (الأرض ليست ملكًا لأحد)، وجزءٌ آخر منها بحوزةِ أعمامي وأبنائِهم، حيث رفضوا تقسيمَها على باقي الورثة، وعليه؛ فهل يجوز ما فعله المستعمر الإيطالي من أخذه للأرض؟ ولمن تؤولُ الأرض بعد تركِ المغتصبِ لها في هذه الحالة؟ وهل يجوز التصرفُ في الأرضِ مِن قِبل بعضِ الورثة دون الآخرين، وعدم قسمتها على أصحاب التركة؟ وهلْ يجوزُ بناءُ مسجدٍ عليها؟ وما حكم الصلاةِ فيه؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ ما فعلهُ الاستعمارُ الإيطالي من احتلالٍ وغصبٍ للأراضي من أصحابها، هو مِن العدوان والاستيلاء على أموال المسلمين بالقهر والغلبة، ومِن تسلطِ الكفار وظهورهم على المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء:114]، والأراضي التي اغتصبوها من أصحابها، هي باقية على ملك أصحابها، وتؤول لهم بعد إجلائهم، مجانًا ممن اشتراها من الإيطاليين دونَ فداء، أو بما فديتْ به على الأحسنِ، إنِ اشتريتْ بقصدِ الفداء لربها، قال الدسوقي رحمه الله في حاشيته: “وَأَمَّا لَوْ دَخَلُوا بِلَادَنَا بِالْقَهْرِ وَنَهَبُوا مِنْهَا أَمْتِعَةً وَأَرَادُوا بَيْعَهَا فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا، فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِمَّن اشْتَرَاهَا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ مَجَّانًا، وَأَمَّا إن اشْتَرَاهَا بِقَصْدِ الْفِدَاءِ لِرَبِّهَا فَالْأَحْسَنُ أَخْذُهَا بِالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ بِأَخْذِ الْكُفَّارِ لَهَا بِالْقَهْرِ مَا دَامَتْ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً فِيهَا” [حاشية الدسوقي: 2/187-188]، ولا يجوز لأحدٍ مِن الورثة أنْ يتصرفَ في هذه الأرضِ قبلَ قسمة الميراثِ ببيع، أو شراءٍ، أو كراءٍ، أو نحو ذلك مِن أوجه التصرف، ويدخل في ذلك بناء المسجد عليها فإنه لا يجوز، وفعل ذلك يعدُّ مِن التعدي على حقوقِ الآخرين، ويقع باطلًا كل تصرفٍ يترتبُ عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ مالُ امرىءٍ مُسْلِمٍ إِلاّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [سنن النسائي الكبرى: 11325]، أما الصلاة في المسجد الذي بُني على هذه الأرض، فلها حكم الصلاةِ على الأرضِ المغصوبة، فالصلاةُ فيه صحيحةٌ مع الإثم، قال شارح نظم الكفاف:
“وَمَن بِمَا غُصِبَ أَوْ فِيهِ يُصلْ …. أَوْ يُغْتَسَلْ عَصَى وَصَحَّ مَا فَعَل.
“… يَعْنِي مَنْ يُصَلّى بِالَذِي غُصِبَ مِنْ مَكَانٍ، عَصَى لِأَجْلِ غَصْبِهِ، وَصَحَّ مَا فَعَلَ مِنْ صَلَاةٍ” [مرام المجتدي من شرح كفاف المبتدي: 1/25]، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن حسين قدوع
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22//ذي الحجة//1442هـ
01//08//2021م