بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2167)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
اختلفنا على قولين في حكم ما إذا حضر وقت الإقامة، وتأخر الإمام الراتب، فتم تقديم شخص آخر، وبعد إقامة الصلاة دخل الإمام، فهل الأولى أن يصلي من أقيمت له الصلاة، أم يتأخر لحضور الإمام؟ فاحتج فريق بقول عيسى بن مريم – عليه السلام – للإمام في آخر الزمان: (إنما أقيمت لك)، واحتج الآخرون بتأخر أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يصلي بالناس، لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم، وهل تعاد الإقامة حينئذ؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الإمام الراتب في مسجده كالسلطان في مملكته، وصاحب البيت في بيته، لا يجوز أن يتقدم أحد للإمامة إلا بإذنه، إذا كان حاضرا؛ ففي الحديث: (وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) [مسلم:1477]، وقال الدسوقي رحمه الله: “وحكم إمام المسجد الراتب حكم رب المنزل” [حاشية الدسوقي:342/1].
وعليه؛ فإن الأحق والأولى – في الحالة المسؤول عنها – هو الإمام الراتب، إلا أن يأذن، ولا تعاد الإقامة على كلّ حال.
بل إنه يجوز للإمام الراتب أن يعيد صلاة الجماعة مرة أخرى، إذا صلوا بغير إذنه في الوقت المعتاد، أو بعده بيسير، ولم يتضرروا بالانتظار؛ لأن فعلهم حينئذ تعدٍّ على حق الإمام الراتب بلا عذر؛ قال الدسوقي رحمه الله: “قال أبو الحسن عن اللخمي: ومن كان شأنه يصلي إذا غاب إمامهم، فصلى بهم في وقت صلاة الإمام المعتاد أو بعده بيسير، كان للإمام أن يعيد الصلاة؛ لأن هذه مسابقة وتعدٍّ منه” [حاشية الدسوقي:332/1]، وقال المازري رحمه الله: “وإنما يكون للناس إسقاط حق الإِمام إذا طال تأخره حتى أضر بهم، فإنهم يكون لهم حينئذٍ أن يقدموا من يصلي بهم” [شرح التلقين:715/1].
وأما حديث عيسى – عليه السلام – فقد أخرجه ابن ماجه في سننه: [4077]، وفيه: (وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ؛ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ، يَمْشِي الْقَهْقَرَى، لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ)، ففي إسناده راوٍ ضعيف، وانقطاع، والسبب الصحيح لامتناعه عن الإمامة ما جاء في صحيح مسلم [312]، وفيه: (فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لاَ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ)، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28/ربيع الأول/1436هـ
2015/01/19م