طلب فتوى
الفتاوىالمساجد

الاختلاف في المساجد على أمور خلافية بين الفقهاء

بسم الله الرحمن الرحيم

رقم الفتوى (   )

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

قام بعض المصلين في مسجدنا بتغيير بعض ملحقات المسجد “الساعة، الإذاعة” من مكانها، وإخراج الجلسة التي توجد في زاوية بالمسجد، بدون إذن اللجنة المشرفة، فحدث خلاف كبير بين أحد الأعضاء وأحد المصلين، ما تسبب في حصول اعتداء بالضرب والسب، حتى وصل الأمر إلى أن قام عضو اللجنة بفتح محضر في مركز الشرطة، فنطلب من فضيلتكم تقديم نصيحة، وكلمة توجيه وإرشاد وإصلاح، في هذه الواقعة، خصوصا وأن المشكلة لم تحل إلى الآن.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن المساجد إنما شرعت للذكر، والصلاة، وقراءة القرآن، قال الله تعالى: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ”، وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “إنما جعلت المساجد للذكر والصلاة وقراءة القرآن” [صحيح مسلم]، وشرعت الجمعة والجماعات في المساجد؛ لتكون مظهرا عمليا لوحدة المسلمين، واجتماع أمرهم وتوادهم وتحابهم المعبر عن وحدة الإيمان وصفاء القلوب.

ووحدتهم وتحابهم وتوادهم مقصد أصلي من مقاصد الإيمان، لا يتم الإيمان إلا به، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه” [متفق عليه]، وصح عنه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر”، وصح عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يسلمه، ولا يخذله، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم”، هذه المودة الإيمانية، واجتماع الكلمة، ونبذ الفرقة، واجب شرعي، حق المسلم على المسلم لا يجوز التهاون فيها، ولا تضييعها، ولو من أجل أمر شرعي آخر أقل منه درجة، فإن ما يقوم به بعض من يريد الإصلاح في إزالة ما يراه منكرا، قد يكون له فيه وجهة شرعية، بسبب أنه منكر مثل تعليق ساعة في حائط القبلة أو غير ذلك، لكنه خفيف يدخل في باب المكروهات، أو مختلف فيه بين أهل العلم، وإزالته تنشأ عنها مفسدة أعظم، تشق الصف، وتفرق الناس، وتوغر الصدور بالكراهية والبغضاء، فترك هذه المكروهات أو المنكرات الخفيفة أهون من فرقة المسلمين وشق صفهم.

فالحرص على وحدة الصف واجتماع الكلمة أوجب؛ لأنه من دفع المفسدة العظمى بما دونها، ومن دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، وهذا مجمع عليه، أصله ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ” [صحيح البخاري: 1586].

وسبيل تغيير المنكرات في المساجد وغيرها هو تعليم الناس السنن، وتأديبهم بأدب الإسلام، والرفق بهم في توجيههم وفي مناصحتهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ويرفق ويتلطف، فليس هناك أنكر في نظر الناس من أن يبول الرجل في المسجد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى الصحابة اجتمعوا على الأعرابي الذي فعل ذلك وعنفوه، قال: “لا تزرموه، أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم أمرهم بدلو من ماء، فصبوه في موضع البول، فاستأسر هذا الرفق من النبي صلى الله عليه وسلم قلب الأعرابيّ، حتى قال: “اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا”، ولم يقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله، بل قال له في رفق آخر: (لقد حجرت واسعا)، وفي الصحيح عن معاوية بن الحكم السلمي، وقد تكلم في الصلاة، وأنكر عليه الأصحاب ذلك إنكارا شديدا ،حتى صاروا يضربون بأيديهم على الركب، استنكارا لأمره، قال معاوية رضي الله عنه يصف رفق النبي صلى الله عليه وسلم: “فَبِأَبِي وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَمَا ضَرَبَنِي وَلَا كَهَرَنِي وَلَا سَبَّنِي، وَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ هَذَا، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)” [مسند أحمد: 23765]، والواجب الشرعي على كل من رأى رأيا بإصلاح شيء في المسجد أن يصل إليه من خلال قنواته الصحيحة، وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويتعاون معها، ويتقيد بالنظم التي تعممها فيما اختارته ورضيته من أقوال أهل العلم، ولا يحل لأحد الخروج عليه، ولا تغييره من تلقاء نفسه، ولو كان هو يعدّه في اجتهاده من المنكر، وفعل شيء من ذلك بالقوة هو من الخروج على ولاة الأمر فيما ارتضوه من الأمور الشرعية لمصلحة الأمة وصلاح الدين، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وتوعد من خرج عليهم قيد شبر بميتة جاهلة. والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

                                                                                    

 

   الصادق بن عبد الرحمن الغرياني  

                                                                                                مفتي عام ليبيا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق