الاعتداء على مرافق شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1717)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نحن بعض مستخدمي شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز، ومقرها الرئيسي بميناء البريقة، والتي تمتلك العديد من المساكن المخصصة لمستخدميها، وبعد خلو هذه المساكن أثناء الحرب قام بعض سكان المنطقة باقتحام (160) مسكنا، ونهب محتوياتها، فبعضهم سكنوها، وآخرون أجروها لغيرهم، وآخرون قاموا ببيعها، وكذلك اقتحموا مكاتب وورش الصيانة، وحولوها إلى محلات تجارية، وقد حاولنا معهم بلطف، فلم نلق إلا التعنت والتهديد، فاضطرت الشركة إلى إبلاغ الجهات الأمنية بالمنطقة، وكذلك النيابة العامة بإجدابيا وبنغازي، ولكن دون جدوى بعد مرور سنتين على تلك البلاغات، وتوجد مساكن أخرى يقطنها بعض المستخدمين اللذين انتهت أحقيتهم في الانتفاع بسبب التقاعد، أو بسبب موت رب العائلة، وكلهم يرفض الخروج بلا حجة مع أنهم قد وقعوا وتعهدوا سابقا بإخلاء السكن عند طلب الشركة، كذلك توجد مساجد تتبع الشركة – وليس وزارة الأوقاف – استولى عليها بعض الشباب، ومنعوا الأئمة والخطباء والمدرسين اللذين عينتهم الشركة، ويمنعون نشر المطويات والبيانات والفتاوى الصادرة من دار الإفتاء الليبية، ويأتون بغيرها من خارج البلد، فنرجو منكم توجيه النصيحة وبيان الحكم الشرعي؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا الفعل من بعض المواطنين هو بسبب غياب القانون، ولا حق لهم فيه، فلا يحل لأحد الاعتداء على هذه العقارات، أو الاستيلاء عليها بالغلبة والقوة، فهذا من الغصب المحرم والعدوان والتعدي على المال العام، والتعدي على المال العام بهذه الصورة البشعة خيانة وغلول؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَّغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:161]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير لها رغاء، يقول: يا رسول الله،أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغتك) [البخاري:2908، مسلم1381]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقّه، طُوِّقَهُ في سبعِ أرضينَ يومَ القيامة) [البخاري:245، مسلم:1610]، ويجب على كل من تورط في ذلك أن يرد ما غصبه إلى الشركة، ويتوب ويرجع إلى الله عز وجل من قبل أن يأتي يوم القصاص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (على اليدِ ما أخذت حَتى تؤدِّيه) [أحمد:20086، الترمذي:1266]، فحرمة المال العام أعظمُ من حرمة المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه بغير وجه حق، أو التَّفريط فيه. [مصنف ابن أبي شيبة:32914]، فلا يجوز بيعُ هذه الأملاك، ولا شراؤُها، ولا كِراؤُها؛ ولا الإقامةُ فيها، ولا يجوز إعانة من وقعت منهم تلك الاعتداءاتِ بأي نوعٍ كان؛ لقول الله عز وجل: )وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وأما المساجد فهي بيوت الله تعالى، وقد قال الله تعالى في وصفها: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [النور:36]، فينبغي تنزيهها عن النزاع والخصومة واللغو، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإياكم وهيشات الأسواق) [مسلم:432] يعني في المساجد.
وبما أن هذه المساجد تتبع الشركة، وهي المخولة شرعا وقانونا برعايتها ونظارتها، فتجب طاعة المسؤولين عليها في المعروف، ومن ذلك تولية الأئمة والخطباء والمدرسين وعزلهم، فلا يجوز منازعتهم، ولا الافتيات عليهم في ذلك، ويجب التعاون معهم، والتقيد بالنظم والقوانين والقرارات التي وضعتها الشركة لتحقيق المصلحة العامة في هذا الشأن بالتعاون مع وزارة الأوقاف.
وما فعله الأشخاص المذكورون في السؤال هو من التعدي، ومن الخروج على ولاة الأمر فيما ارتضوه من الأمور الشرعية لمصلحة الأمة وصلاح الدين، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وتوعد من خرج عليهم قِيد شبر بميتة جاهلية، ويشتد الأمر خطورة إذا فرضوا أنفسهم على الناس بأن رأوا أنفسهم أهلا للإمامة والتعليم، والناس لا يرونهم كذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة)، وذكر منهم: (الرجل يؤم القوم، وهم له كارهون) [الترمذي:358، أبوداود:593، ابن ماجه:1023]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25/ربيع الأول/1435هـ
2014/1/26م