بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4096)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
هل يجوز للمحبس عليهم أرضا – حبسا لأبناء الابن وأعقابهم- أن ينتفع كل منهم بنصيبه من الحبس بالبناء للسكنى، علما بأنها لم تقسم بين الموقوف عليهم بعدُ؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن من وقف عليه شيءٌ بلا قيد في الانتفاع ملك منفعته، وله حق الانتفاع به بما لا يذهب عينه، بأي وجه من وجوه الانتفاع المباحة، بغرس أو بناء، قال صاحب تهذيب الفروق: “وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الْوَاقِف إمَّا أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ يُنْتَفَعُ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ بِالْقَرَائِنِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَةِ فِي الصِّيغَةِ الْمُحْتَمِلَةِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا الِانْتِفَاعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ كَقَوْلِهِ وَقَفْته عَلَى أَنْ يُسْكَنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِتَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ أَوْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِلَا قَرِينَةٍ حَتَّى حَصَلَ الشَّكُّ فِي تَنَاوُلِهَا لِلْمَنْفَعَةِ؛ لِوُجُوبِ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ السَّابِقِ” [تهذيب الفروق:1/19]، قال القرافي: ” مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَأَخْذُ عِوَضِهَا وَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ لَيْسَ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ كَسُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرُّبَطِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَجِّرَ مَكَانَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَدْرَسَةِ أَوِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يملك الْمَنْفَعَةَ بَلْ يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ ” [الذخيرة:6/340].
عليه؛ فللموقوف عليهم أن ينتفعوا بأرض الحبس بالسكنى وغيرها، بعد قسمة الأرض بينهم قسمة انتفاع، لا قسمة بت واستبداد، ويكون إما بالأزمان بأن ينتفع بها كل واحد من الشركاء زمنا، أو يأخذ كل واحد منهم جهة، وذلك بالتراضي بينهم، ما لم يتغير الحبس بتغير حاله أو عدد الموقوف عليهم، وإلا فتعاد القسمة، قال الأجهوري: “قَسْمُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَمْلِكُ مَا خَرَجَ لَهُ بِالْقَسْمِ أَوْ يَبْقَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْحَبْسِ بِنَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ امْتَنَعَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ مَا دَامَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُ الْحَبْسِ فَإِنْ تَغَيَّرَ جَرَى فِيهِ التَّغْيِيرُ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَازَ اهـ. وَقَالَ فِي جَوَابٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْحَبْسِ، وَلَا بَعْضِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَخْتَصُّ بِمَا صَارَ لَهُ وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ كَمَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَأَمَّا قَسْمُهُ مُهَايَأَةً عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بَعْضُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ مَوْضِعًا وَالْآخَرُ مَوْضِعًا لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَخَذَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَسْمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ انْتَهَى” [فتح العلي المالك:2/254]، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25// جمادى الآخرة// 1441 هجرية
20// 01// 2020م