البناء في ملك الوالد بإذنه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5463)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي والدي عنا، ونحن ابنانِ اثنان، وثماني بنات، ولنا أخ توفي قبل الوالد، وقد ترك الوالد فيما ترك منزلَ العائلة، وهو طابقٌ أرضي، سبق أن أذن لأخي المتوفى قبله بالبناء فوقه، فبنى أخي بماله، واستلف من إحدى أخواتي عشرة آلاف دينار لأجل البناء، وبعد وفاة الوالد سددنا هذا الدَّين من تركة الوالد، على أنه من حصتي وحصة أخي الآخر.
وقد ترك الوالد أيضًا ثلاثة مخازن بمنطقة “مشروع الهضبة”، سبق أن أذن لي ولأَخَوَيَّ الاثنين في بناء شقة فوق كل مخزن، ففعلنا ذلك قبل وفاة أخينا.
والسؤال: هل يستحق ورثة أخي في منزل العائلة مع الطابق العلوي، وفي المخزن مع الشقة العُلوية شيئًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ جميعَ ما تركه الميتُ، من أموال وعقار وأثاث ومفروشات ونقود، من ثابت ومنقول، داخلٌ في جملة التركة، التي يستحقها ورثته الذين أدركوا وفاته، يقتسمونها حسب الفريضة الشرعية، بعد إخراج ما يجب عليه من الديون، والوصايا، لقوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ) [النساء: 11].
وإذنُ الأبِ لابنه بالبناء على السطح لا يُعدُّ هبةً له، فقد ذهب ابن مزين رحمه الله ومن تبعه إلى أن هذا القول من الأب للابن لا يفيد التمليك، ولا يعدُّ إذنًا على الحقيقة، وليس له إلا قيمة بنائه منقوضًا، قال ابن مُزَيْنٍ رحمه الله: “مَنْ قَالَ لاِبْنِهِ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَرْمًا أَوْ جَنَانًا أَوِ ابْنِ فِيهِ دَارًا فَفَعَلَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَصَارَ الْأَبُ يَقُولُ: كَرْمُ ابْنِي وَجَنَانُ ابْنِي، فَإِنَّ الْقَاعَةَ لاَ يَسْتَحِقُّهَا الابْنُ بِذَلِكَ، وَتُورَثُ عَنِ الْأَبِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ إِلَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا… وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَلاَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ” [منح الجليل: 8/182].
وهذا الحكم -وهو عدم تمليك الأرض، وإعطاء الابن قيمة البناء منقوضًا- الظاهر أنه مبني على العرف في ذلك الوقت، فإذا تغيَّر العرف تغيَّر الحكم، قال ابن رحال رحمه الله: “… وَإِنَّمَا كَانَ لِلِابْنِ قِيمَةُ مَا بَنَاهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِتَطْيِيبِ الْأَبِ خَاطِرَ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ هَذَا لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ… وَالرُّجُوعُ لِلْعُرْفِ هُوَ الْوَاجِبُ فِي هَذَا، فَإِنَّ الْآبَاءَ لَا يَقْصِدُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ” [فتح الفتاح: 10/17]، ومثلُ هذا القول من الأب للابن في زماننا، وإن كان لا يعدّ هبةً للأرض والسطح؛ فإنه يقتضي الإذن لابنه بالبناء حقيقة، وليس مجرّد تطييب خاطر، وعليه؛ فإنه يقضى للابن الباني بقيمة بنائه قائمًا، كما أشار إليه ابن رحّال رحمه الله.
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر؛ فإن لكل واحد من الإخوة الثلاثة؛ قيمةَ الشقة التي بناها فوق المخزن، على أنها قائمة لا منقوضة، بحيث يُقَوَّم المخزن مع أرضه، ثم يُقَوَّم المبنى كاملا مع الشقة العُلْوِيَّة، فيُعْطَون ما زادته الشقة على قيمة المخزن، وورثةُ الأخ المتوفى يقومون مقامه.
ومثل هذا يقال في الطابق العلوي الذي بناه الأخ المتوفى فوق منزل العائلة، فيُقوَّم الطابق الأرضي من منزل العائلة مع أرضه، ثم يقوَّمُ المنزل كاملا مع الطابق العلوي، فيُعطى ورثة الأخ المتوفى ما زاده التقويم لمنزل العائلة مع الطابق العلوي على قيمة منزل العائلة دون الطابق العلوي.
وما صح لورثة الأخ المتوفى مما سبق يقتسمونه حسب الفريضة الشرعية، ولا حق لهم في منزل العائلة، ولا في المخازن، ولا في سائر تركة جدهم، لوفاة والدهم قبله، وحجبهم عن الإرث المباشر بأعمامهم.
وتكفُّلُ السائلِ هو وأخوه بسداد الدَّين الذي على أخيهم المتوفى من تركة والدهم جائزٌ، وهو من الإحسان والصلة، وما تبرعا به لأخيهما في سداد دينه يخصم من حصتهما التي صحت لهما من التركة، ما لم يرضَ جميعُ الورثة بتحمل الدَّين، فيخصم الدَّين من حصصهم جميعا، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//رجب//1445هـ
14//01//2024م