طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالهبة

البناء في ملك الوالد بإذنه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

رقم الفتوى (5566)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

كنتُ أملك أرضا بمنطقة (ف) بطرابلس، ولم أستطع البناء عليها، فنصحني والدي -وأذن لي- ببناء الطابق الثالث فوق سطح بيت العائلة، فبِعتُ الأرض وبنيتُ بمالي الطابق الثالث، واستلفتُ من أختي مبلغا ماليا قدره: (7000 دولار)، كانت تساوي (10000 د.ل) في ذلك الوقت عام 2014م، فأكملتُ بناء الطابق وسكنتُ فيه مع عائلتي، ثم توفي والدي، فما الذي أستحقه من بيت العائلة؟ وهل يلزمني سداد الدين من الدولار بسعره الحالي؟ أم بسعر الوقت الذي استلفتُ فيه؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنَّ إذنَ الأبِ لابنه بالبناء على السطح لا يُعدُّ هبةً له، فقد ذهب ابنُ مزين رحمه الله ومن تبعه إلى أن هذا القول من الأبِ للابنِ لا يفيدُ التمليك، ولا يعدُّ إذنًا على الحقيقة، وليس له إلا قيمة بنائه منقوضًا، قال ابن مُزَيْنٍ رحمه الله: “مَنْ قَالَ لاِبْنِهِ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَرْمًا أَوْ جَنَانًا أَوِ ابْنِ فِيهِ دَارًا فَفَعَلَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَصَارَ الْأَبُ يَقُولُ: كَرْمُ ابْنِي وَجَنَانُ ابْنِي، فَإِنَّ الْقَاعَةَ لاَ يَسْتَحِقُّهَا الابْنُ بِذَلِكَ، وَتُورَثُ عَنِ الْأَبِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ إِلَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا… وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَلاَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ” [منح الجليل: 8/182].

وهذا الحكم -وهو عدم تمليك الأرض، وإعطاء الابن قيمة البناء منقوضًا- الظاهر أنه مبنيّ على العرف في ذلك الوقت، فإذا تغيَّر العرفُ تغيَّر الحكم، قال ابن رحال رحمه الله: “… وَإِنَّمَا كَانَ لِلِابْنِ قِيمَةُ مَا بَنَاهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِتَطْيِيبِ الْأَبِ خَاطِرَ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ هَذَا لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ… وَالرُّجُوعُ لِلْعُرْفِ هُوَ الْوَاجِبُ فِي هَذَا، فَإِنَّ الْآبَاءَ لَا يَقْصِدُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ” [فتح الفتاح: 10/17]، ومثلُ هذا القول من الأب للابنِ في زماننا، وإن كان لا يعدّ هبةً للأرضِ والسطح؛ فإنه يقتضي الإذنَ لابنه بالبناء حقيقة، وليس مجرّد تطييبِ خاطر، وعليه؛ فإنه يقضى للابنِ الباني بقيمة بنائه قائمًا، كما أشارَ إليه ابنُ رحّال رحمه الله.

والأصلُ في ردِّ المال أن يكون بالعملةِ التي حصل بها الدَّين، فمن أسلف غيرهُ مالًا بالدولار؛ لزم المدينَ أن يسددَ بنفس العملة، ويجوز بالتراضي ردُّ المال بعملة أخرى، بالسعر الذي يتراضيان عليه وقت دفع الدين، بشرط أن يكونَ الاتفاقُ وتسليمُ المبلغ في مجلس واحد، دون تأخير؛ لأن دفع عملة بدل أخرى يعد من الصرف؛ والصرف لا يجوز فيه التأخير، ففي حديث عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “كُنتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ بَالدَّرَاهِمِ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ بِالدَّنَانِيرِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِن ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ، إِنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهُمَا بِسِعْرِ يَوْمِهِا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ” [أبو داود: 1967].

وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فإنَّ للسائل قيمةَ ما بناهُ فوق بيتِ أبيه بإذنه، على أنه قائمٌ لا منقوض، بحيث تُقَوَّمُ الأرضُ مع الطابقين الاثنين اللَّذَيْنِ للأبِ، ثم يُقَوَّمُ المبنى كاملًا، الأرضُ مع الطوابق الثلاثة، فيعطى الابنُ ما زاده الطابق الثالث على قيمةِ المبنى، ويلزم السائلَ سدادُ الدَّيْنِ بالعملة التي أخذه بها وهي الدولار، إلا أن يتراضَى الطرفانِ على سداده من عملة أخرى، فيجوز ذلك، على أن تُعتبرَ القيمةُ يومَ السداد، ويتمَّ تسليم المبلغ في نفس مجلسِ الاتفاق، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

02//رمضان//1445هـ

13//03//2024م  

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق