بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1077)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
وثيقة محررة سنة 1350هـ، جاء فيها: فقد تصدق فلان على أولاده الذكور الراشدين، وهم؛ وسماهم، ثم على أولادهم الذكور كذلك؛ ثم ذكر حدودَ المتصدَّق به، وجاء في آخرها: “وأبّد لها عنه وعلى المتصدق عليهم … وأذن لهم في القبول والحوز، ولأولادهم الذكور الموجودين الآن، ولمن سيوجد، فقبلوا منه لهم ولمن ذكر..”، فهل هذه هبة أم حبس؟ علما بأنها قسمت بين الأبناء، وورثها عنهم أبناؤهم الذكور، فاستصلحوها وباعوا وتصرفوا فيها بلا منازع، لمدة سبعين سنة، فهل إذا نازع فيها بعد هذه المدة أحد أبناء البنات، كان له حق فيها؟.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا من الحبس على الأبناء، ثم على أبنائهم؛ لحرمان البنات؛ لأنه لو كان هبة، فلا يملك الواهب أن ينقلها إلى أبناء الموهوب له الذكور دون الإناث، فيقول: “ثم على أولادهم الذكور”، والهبة إلى الموهوب له خرجت من ملك الواهب، وبموت الموهوب له تصير ميراثا للذكور والإناث.
والحبس على الذكور دون الإناث محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة أنه غير جائز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم) [البخاري:2587]، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا ذَكرت صدقات الناس، وإخراج الرجال بناتهم منها، تقول: “ما وجدت للناس مثلاً اليوم في صدقاتهم، إلا كما قال الله تعالى: )وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ “([المدونة: 423/4]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إنه من عمل الجاهلية” [شرح الخرشي:77/5]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر؛ قال: “وبطل – أي الوقف – على معصية وحربي وكافر لكمسجد، على بنيه دون بناته” [منح الجليل:118/8]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس تم إلغاؤه بفتوى من مفتي الديار الليبية السابق، الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه.
وعليه؛ فإن هذا الحبس لا يُعمَلُ به شرعًا ولا قانونًا، ويجب قسمة الأرض حسب الفريضة الشرعية على الورثة الأحياء، وقت صدور قرار الإلغاء المذكور، ومن مات منهم بعد ذلك فلورثته، ومن باع من الورثة شيئًا من الحبس، يحق له أن يأخذ منه قدر حصته في الفريضة الشرعية، وما زاد يرجع به على الورثة، وإن لم يكن له ورثة، رجع إلى بيت مال المسلمين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/جمادى الأولى/1434هـ
2013/3/31