التصرف في مال المحجور عليه منوط بالمصلحة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5034)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يملكُ (ص) و(أ) و(ش) و(م) وهم إخوةٌ، عقارًا على الشيوع بينهم بالتساوي، أحدهم وهو (م) فاقدٌ للأهلية، والعقار عبارة عن قطعتي أرض؛ إحداهما مساحتها 286م، بها مخبز ومخزن وصالة كبيرة، والأخرى مساحتها 143م، عليها منزلٌ من طابقين، وفي سنة 2005م تم قسمة العقار بالتراضي بين الإخوة، حيث وَكَّلُوا أخًا لهم لا يملك معهم في هذا العقار على أخيهم الفاقِدِ للأهلية، فأخذ (أ) المخبز بديونه، وهي ستون ألف دينار، وأخذ (ص) المخزن والصالة، ثم اشتراه (أ) منه، واستغله في الإيجار، وأخذ كلٌّ من (ش) و(م) المنزل بطابقيه، وتمت هذه القسمة برضى الجميع، ثم في سنة 2012م باع (ش) المنزل بطابقيه، وتقاسم قيمته مع أخيه الفاقد للأهلية مناصفةً، باعتباره شريكًا له، فهل ما قام به الإخوة تجاه أخيهم الفاقد للأهلية صحيح؟ مع العلم أنّه لا يوجد وصيٌّ ولا مقدّمٌ من القاضي على الأخ الفاقد للأهلية عند القسمة، ولم يتم تقديم وصيٍّ من القاضي إلَّا في السنوات الأخيرة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ التصرف في مال المحجور عليه منوطٌ بالمصلحة، مِن الولي أو مَن يقوم مقامه، ولو تصرف غيرهم في ماله، وكان تصرفهم هو المصلحة والسداد للمحجور، بحيثُ لو رفع للحاكم لقضَى به، كان تصرُّفهم ماضيًا؛ بناءً على القاعدة التي ذكرها الفقهاء، وهي: أنّ كلَّ مَن فعلَ فعلًا لو رُفع إلى الحاكم لم يفعل غيرَه ففعلُه ماضٍ، قال التسولي رحمه الله في ردّ تصرف المحجور عليه: “… ثمَّ مَحل الرَّد لِلْمَحْجُورِ بَعْدَ رُشْدِهِ إِذَا صَرَفَ الثّمنَ فِيمَا لَهُ غِنى عَنهُ، وَأَمَّا إِنْ صَرَفَ فِيمَا لَا غِنَى لَهُ عَنهُ بِحَيْثُ لَو رُفِعَ إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ يَفْعَله فَإِنَّهُ يمْضِي بَيْعه وَلَا قيام لَهُ… وَهُوَ جَار على الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرهَا الْبُرْزُليّ وَغَيرُه وَهِي أَنّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لَو ُرفِعَ إِلَى الْحَاكِم لَمْ يَفْعَل غَيَرهُ فَفِعْلُهُ مَاضٍ” [البهجة :21/2].
عليه؛ فإنِ اجتهد إخوةُ المحجور عليه في هذه المقاسمة وأنصفوه، وكانت قسمتهم على السداد والمصلحة، بحيث لو رفعت للقاضي لن يحكم بغيرها؛ كان التصرف صحيحًا وما ترتب عليه من الملكية والبيع صحيح لا يُنقض، وإن كانوا قد استغلوا ضعفه وعدم قدرته على معرفة ما يصلح له، وغَبَنُوهُ بأن أخذوا الأفضل في المقاسمة، وتركوا له الأردأ، فقسمتهم باطلة؛ لظلمهم إياه، وعليهم أن يصححوا ذلك، ويعوضوّه بردّ ما أُخذ منه بغير وجه حقٍّ؛ ليبرؤوا ذمّتهم، وهذا هو الممكن؛ لأن نقض المقاسمة بعد التصرف فيها وتبادل الأيدي عليها من الملّاك متعذّر، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
أحمد بن ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26//ربيع الآخر//1444هـ
21//11//2022م