التعامل مع مصرف الأمان في ما يخص البطاقات الائتمانية الصادرة عنه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2051)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
هل يجوز التعامل مع مصرف الأمان في ما يخص البطاقات الائتمانية الصادرة عنه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
فبعد الاطلاع على مطوية الشروط والأحكام الخاصة بحملة البطاقات الائتمانية، الصادرة عن مصرف الأمان، والمطلوب إبداء الرأي الشرعي حيالها، تبين أنها متضمنة لجملة من المحاذير الشرعية، الواجب على المصرف استدراكها وتعديلها، حتى يصح له التعامل بهذه البطاقات، وهي كالتالي:
ـ جاء في المادة (1): (كما يفوض حاملُ البطاقة والكفيل المصرفَ تفويضًا مطلقًا، لا رجعة فيه، بالتصرف فيها، أو بيعها بالطريقة وبالسعر اللذين يراهما مناسبين، وإجراء التقاص بين أيٍّ من حساباتهم الدائنة أو المدينة والمبالغ المترتبة في الذمة، وفي حال اختلاف العملات، فإنَّ حامل البطاقة والكفيل يفوض المصرف بإجراء تحويل العملات حسب مقتضى الحال، وبالسعر الذي يراه مناسبا، كلُّ ذلك دون حاجة للرجوع إلى أي منهم، أو توجيه إنذار أو إشعار أو خلافه).
ففي قوله: (بالسعر الذي يراه مناسبا)، هذا معناه إحالة في التعامل بالبيع والشراء إلى سعر مجهول، غير منضبط ولا معروف، ولا يجوز بإجماع أهل العلم البيع بثمن مجهول للمتعاقدين وقت العقد.
وعليه؛ تعدل العبارة كالتالي: (بإجراء تحويل العملات، بالسعر الذي تَحدد يوم التحويل، مع تمكين العميل من الاطلاع عليه حين قيامه بالتحويل).
ـ جاء في المادة (2): (يتعهد حامل البطاقة بفتح حساب جاري دائم تحت الرقم …، ضمن السقف المحدد من المصرف، يلتزم ببقاء رصيده دائنًا؛ لتغطية المسحوبات التي ترد على بطاقة الماستر كارد، سواء تمت هذه السحوبات داخل ليبيا أو خارجها، كما يحق للمصرف كشف الحساب بالمبالغ المطلوبة من حامل البطاقة، واستبقاء فائدة على الرصيد المدين، وحسب التعليمات السارية لديه).
وهذا واضح أنه من التعاقد على الإقراض بفائدة؛ فإن سماح المصرف بتغطية الحساب المكشوف وأخذ عمولة عليه هو الربا بعينه.
وقد جاء النص على هذه الفائدة في مواد أخرى:
المادة (3): (ومن المتفق عليه أنَّ المبالغ المتفق عليها تبقى مقيدة على حساب العميل، سواء كانت المبالغ قد أدت إلى جعل الحساب مدينًا، مما يترتب عليه من فوائد وعمولات مدينة، أو أنها كانت من ضمن حسابه الدائن …).
المادة (26): (أن يسجل على حسابه المبين في هذا الطلب رسم الاشتراك السنوي للبطاقة، وكافة المصاريف والنفقات المترتبة على استعماله للبطاقة، أو الناشئة عن مطالبته بتسديد الأرصدة المدينة المترتبة في ذمته).
وعليه؛ يجب حذف ما ذكر، أو معاملة انكشاف الحساب على أنه قرض حسن، لا يأخذ المصرف عليه أي فائدة.
ـ جاء في المادة (9): (تسدد الفواتير وكافة المبالغ المستحقة للمصرف على حامل البطاقة، مضافًا إليها مصاريف الماستر كارد العالمية المستحقة بالدينار الليبي، أو بالعملة الأجنبية، وذلك على أساس سعر البيع الفوري للدينار الليبي مقابل العملة الأجنبية، من تاريخ استلام المصرف للكشف الخاص بهذه المبالغ من الماستر كارد العالمية، أو السعر الذي يحدده المصرف).
وفي هذا تأكيد لما تقدم من جهالة السعر، الذي يقوِّم به المصرف المبالغ المستحقة بالعملات الأجنبية، والواجب حذف قوله: (أو السعر الذي يحدده المصرف)، وذلك بأن يتبع في تحديد سعر التحويل ما تقدم.
ـ وفي المادة (10) جاء: (يحق للمصرف قيد جميع المبالغ المترتبة على استعمال حامل البطاقة للبطاقة الأساسية والإضافية، على حسابه المبين في هذا الطلب، في أي يوم يراه المصرف مناسبًا).
وهذا أيضًا من الإحالة على سعر مجهول فيه غرر لا يحل. ـ وجاء في المادة (15): (أخذت علمًا بأنَّه يحق للمصرف إلغاء تقديم أي من خدماته المصرفية أو أنشطته المالية باستخدام أية رسائل إلكترونية في أي وقت يشاء، ودون بيان الأسباب).
وهذا يعطي الحق للمصرف في إلغاء تقديم أي من خدماته وأنشطته في أي وقت، دون أن يبدي السبب، ودون إخطار الطرف الثاني أو موافقته، مما يلحق به ضررا فادحا، وهو من الشروط التعسفية، التي لا يمكن للعميل الموافقة عليها في الأحوال الطبيعية، لولا حاجته للبطاقة، وعليه؛ يجب على المصرف تقييد هذه المادة بأمرين:
أ- أن يكون ذلك لسبب وجيه.
ب- أن تلغى البطاقة في حالة رفض العميل معالجة السبب، ويكون من حقه استرجاع ما يقابل قيمة الخدمة المتبقية من المدة المتفق عليها في العقد، وإلا صار مِن أكل أموال الناس بالباطل.
ونحو هذا في المادة (18): (يحتفظ المصرف بحقه في أن يرفض، ولأي سبب كان:
أيّ طلب لتوفير الخدمات المصرفية الإلكترونية يتقدم به أي عميل.
أيّ تعليمات أو استفسارات ترد من أي عميل عن طريق الخدمات المصرفية الإلكترونية).
فهذا أيضًا من الشروط التعسفية، التي لا ينبغي للمصرف اشتراطها؛ فإن الله تبارك وتعالى يأمر بالعدل والإحسان؛ إذ بإمكان المصرف – بناء على هذا الشرط – أن يمتنع عن تنفيذ أي طلب، مع حصوله على أجرة الخدمة العامة واستصدار البطاقة، ولا يملك العميل الاعتراض؛ لاحتياجه لهذه الخدمة، والواجب تقييد العبارة بنحو: (يحتفظ المصرف بحقه في أن يرفض – عند وجود سبب وجيه لذلك بعد مناقشة الأمر مع العميل – …).
ونحوه في المادة (31): (يحق للمصرف رفض أو قبول أي طلب، كما يحتفظ المصرف بملكية البطاقة، ويكون له الصلاحية المطلقة في إلغائها في أي وقت من الأوقات، دون إبداء أية أسباب، ودون الحاجة إلى توجيه إشعار أو إخطار مسبق، ودون أن يتحمل أية مسؤولية، مهما كانت نتيجة ذلك، ويحق للمصرف أن يطلب من حامل البطاقة تسليم بطاقته إليه، ويتعهد حامل البطاقة بإجابة الطلب فورًا).
هذا من شروط الغبن المجحفة، التي يفرضها الطرف القوي على الطرف الضعيف في العقد، لا تحل، وتجب مراجعتها؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (وإذا قلْتم فاعدلوا)، ويقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).
ـ جاء في المادة (17- أ): (أقر بمسؤوليتي عن دفع الرسوم، مقابل الاشتراك والصيانة والاستخدام لمختلف الخدمات الإلكترونية، التي يحددها المصرف من وقت لآخر).
ومن حق المصرف طلب أجرة على الخدمات المقدمة منه للعميل، بما في ذلك خدمة البطاقة المصرفية؛ لما فيها من نقل الأموال حيث يريد العميل، وسداد ما عليه من التزامات، وتوثيق عملياته، وغير ذلك من الخدمات التي من حق المصرف أن ينال عليها أجرًا، لكن يجب أن تكون هذه الأجرة معلومة للعميل قبل استعمالها، فعلى المصرف أن يعلن بوضوح عن قيمة هذه الأجرة.
هذا إذا كان نوع البطاقة بطاقةَ سحب فوري، لا يترتب عليها ائتمان وإقراض، كما هو الحال في بطاقة مصرف الأمان التي نحن بصدد الحديث عنها.
وعليه؛ فلا يجوز أن يحتسب المصرف أي أجرة مقابل الخدمات التي يقدمها للعميل؛ لأنها والحالة كذلك ستكون قرضًا جر نفعًا، وهو من الربا المحرم، والواجب في مثل هذه الحال: أن يكتفي المصرف بأخذ مقدار التكلفة الفعلية للخدمات التي يقدمها، وتشمل؛ (تكلفة إصدار البطاقة، وآلات السحب وتكلفة صيانتها، وأجرة مركز خدمات البطاقات والموظفين المختصين به، إن كان لها مركز خاص).
وإذا أراد المصرف أن يجعل البطاقة للسحب الفوري المباشر فقط، دون أن تكون بطاقة ائتمان، فإنَّ له أن يفرض أجرة مناسبة مقابل الخدمات التي يقدمها، سواء عند السداد عن طريق البطاقة أو السحب النقدي، ولا يجوز أخذ رسوم على الصيانة؛ لأنها ليست خدمة للعميل، فعلى المصرف أن يدرجها ضمن تكاليفه عند تحديد الأجرة المناسبة لكل خدمة.
ـ جاء في المادة (17- أ): (وأخذت علما بأنه يحق للمصرف تعديل هذه الرسوم، وأنـني أفوض المصرف بأن يقيد الرسوم المختلفة على أي من حساباتي لديه).
وفيها حق المصرف في تعديل رسوم الخدمات المقدمة دون الرجوع للعميل، أو أخذ موافقته، وهذا يترتب عليه جهالة أجرة المصرف على الخدمة التي يقدمها، مما يفسد الإجارة، ولابد من تقييد هذا بإشعار العميل بذلك بفترة تسمح باطلاعه على التعديل، وإبداء موافقته من عدمها.
وعليه؛ فالواجب على المصرف تعديل العبارة كالتالي: (وأخذت علمًا بأنَّه يحق للمصرف تعديل هذه الرسوم، بشرط إشعار العملاء بها، قبل التعامل بها، ويعد العميل موافقًا عليها إذا استعمل البطاقة بعدها، دون أن يبدي اعتراضه على ذلك).
ـ جاء في المادة (24): (يحتفظ المصرف بحقه في تعديل هذه الأحكام والشروط في أي وقت، ويعتبر استمرار العميل في استعمال الخدمات المصرفية الإلكترونية قَبولًا منه بتلك التعديلات).
هذا يعطي الحق للمصرف في تعديل أي من شروط البطاقة وأحكامها، دون الرجوع للعميل أو أخذ موافقته، وهذا أيضًا لا يجوز لما فيه من الجهالة بشروط التعاقد.
لذا يجب تقييده بمثل ما سبق: (بشرط أشعار العملاء قبل التعامل بالشروط الجديدة ، ويعد العميل موافقًا عليها إذا استعمل البطاقة بعد أشعاره، دون أن يبدي اعتراضه على ذلك).
وقد جاء قريب من هذه الصيغة في المادة (30) التي نصت على أنه: (يحق للمصرف في جميع الأوقات أن يعدل بمحض اختياره هذه الأحكام والشروط العامة، بموجب إشعار خطي عن طريق البريد المسجل، وعلى العنوان المعتمد لدى المصرف لحامل البطاقة، ويوافق على أن مثل هذا التعديل يصبح ملزمًا له من تاريخ الإشعار المذكور، أو من التاريخ الذي يحدِّده المصرف، حتى ولو لم يستلم الإشعار المذكور، لأي سبب من الأسباب).
هذا يصلح بشرط حذف عبارة: (حتى ولو لم يستلم الإشعار المذكور، لأي سبب من الأسباب)، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
نادر السنوسي العمراني
غيث بن محمود الفاخري
الصادق بن عبدالرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
1/ذو الحجة/1435هـ
2014/9/25م