طلب فتوى
التبرعاتالغصب والتعديالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

التعدي على أرض الحبس ببيع أو غيره محرم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5852)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحنُ ورثة المرحوم (ع ص س)، ورثنا عن أبينَا قطعة أرضٍ أقيم عليها مبنًى، في منطقة ك بمدينة م، ووجدنا أن جزءًا من هذه الأرض وقف لمسجد ك، كان جدي (ص س ص) اشتراه من الأوقاف بتاريخ: 14/10/1982م، وسجله بالسجل العقاري، ونحن بصددِ تقسيم تركة والدنا (ع ص س)، نود أن نستفتيكم عن صحة شراء جدنا لقطعة الأرض، وهل يجوز لنا احتسابها ضمن تركة الوالد، وبيعها بعد التقسيم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن أرضَ الحبس لا تُباع؛ لأن في ذلك تبديلًا لغرضِ المحبِّس، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في صدقته: (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)، وقال عمر رضي الله عنه بعد ذلك: “لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ” [النسائي: 6393]، فيحرمُ التعدي على شيءٍ من الحبس، ببيعٍ أو غيره، بل يجبُ استغلالُهُ في الغرضِ الذي حُبِّس عليه، قال سحنون: “بَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ خَرَابًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ” [شرح الخرشي: 7/95]، فإنْ حصلَ بيعٌ لأرضِ الحبس فهو باطلٌ، يجبُ فسخهُ وردّه، ويرجع المشتري على البائعِ بالثمنِ إن وُجدَ عنده، فإنْ كان البائع مُعدمًا، أخذَ المشتري حقّه مِن غلةِ الوقفِ شيئًا فشيئًا، إلى أنْ يستكملَ جميعَ الثمن الذي دفعَهُ، قال ميارة رحمه الله: “… أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ، وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا، عَلِمَ الْبَائِعُ بِكَوْنِهِ حُبُسًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ… إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ غَلَّةِ ذَلِكَ الْحُبُسِ فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ” [الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام: 2/148].

عليه؛ فإنْ كانَ الحالُ كما جاءَ في السؤالِ، فيحرمُ على الورثة اقتسامُ الجزءِ المحبَّس مِن الأرض؛ لأن ملك الـمُوَرِّثِ لها غيرُ صحيحٍ؛ فقد اشترى من مُتعدٍّ على الوقفِ باعَ ما لا يملكُ، ويجبُ عليهم رفعُ اليد عنها، وردُّها وقفًا على مسجد ك؛ ولورثة المشتري الذي دفع الثمن أن يقبضُوا من غلة الأرض ما يُقابل الثمن الذي دفعه مورثهم، إنْ أرادُوا استرجاعَ ما دفعَهُ، واللهُ أعلمُ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

23//جمادى الأولى//1446هـ

25//11//2024م 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق