بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4050)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أوصى الحاج (ط) وزوجته بوقف قطعة أرض لهما بمشتملاتها من نخيل وزيتون، بحيث تجمع غلتها ويصنع بها طعام لقصعة رمضان، ولمن يختم عليهما القرآن في شهر رمضان كل سنة، وجعلا المنفّذ للوصية السيد (خ)، وبعده يكون المنفذ لها السيد (ع)، وهو جدّي، وبعد وفاة جدي قام عمي باستلام الأرض، وبنى عليها منزلا من دورين، وبقي ساكنًا فيه (11) سنة دون أن يصرف شيئًا للوقف، والآن توفي عمّي، ولم يترك إلا هذا المنزل، وليس له أبناء، فهل يدخل المنزل في تركته أم لا؟ وهل يسوغ لنا إكمال الدور الثاني من المنزل ونقوم بتأجيره، ليصرف ريعه في الوصية؟ وما هو نصيب الزوجة في التركة، إن لم يكن للميت أبناء؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ الاستيلاء على أراضي الوقف واستغلالها في المنافع الخاصة، يعدّ من التعدّي والغصب المحرّم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذّرًا من التعدّي على أملاك الغير وعقاراتهم: (مَن أَخَذَ شِبرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبعِ أَرضينَ يومَ القِيَامَة) [البخاري:2453، مسلم:1612]، فكيف بالتعدّي على مال الوقف وعقاراته، الذي هو أعظمُ ظلمًا وأشدّ حرمة، قال تعالى: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) [البقرة:181].
فإنْ بنَى الغاصبُ منزلًا على الأرضِ التي غصبها، فإنّ ربّ الأرض مخيّرٌ بين إعطاء الباني قيمة بنائه منقوضًا (مهدومًا)، وبين أمره الغاصبَ بقلعِ بنائهِ وتسويةِ الأرض، قال الخرشي رحمه الله: “مَنْ غَصَبَ عَرْصَةَ أَرْضٍ لِشَخْصٍ فَبَنَى فِيهَا بُنْيَانًا فَلِمَالِكِ الْعَرْصَةِ أَنْ يَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِقَلْعِ بِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَةَ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا وَيُسْقِطَ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ مَا يَصْرِفُ فِي هَدْمِهِ وَتَسْوِيَةِ مَحَلِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُ الْغَاصِبِ أَنْ يَتَوَلَّى النَّقْضَ وَالتَّسْوِيَةَ بِنَفْسِهِ … وإلا أَخَذَ قِيمَةَ مَا ذكِرَ مَنْقُوضًا مِنْ غَيْرِ إسْقَاطِ مَنْ يَتَوَلَّى النَّقْضَ وَالتَّسْوِيَةَ” [شرح الخرشي: 6/143]، وعلى الغاصب ضمان غلّة ما غصبه طيلة مدّة الغصب، إذا استفاد منها، قال ابن عبد الرفيع: “المَشْهورُ مِنَ المَذْهَبِ أَنَّ الغَاصِبَ يَضْمَنُ غَلَّةَ مَا غَصَبَهُ مِنَ العَقَارِ وَالرِّبَاعِ، سَوَاءٌ اغتَلَّهَا لِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَاهَا” [معين الحكام:2/826].
وعليه؛ فإن كان في المنزل المذكور مصلحة للوقفِ، أُعطي الورثةُ قيمتَه منقوضًا، وقبل قسمةِ التركة عليهم تؤخذُ قيمة الكراء للسنواتِ التي كان صاحبُ المنزل مقيمًا به فيها، فإن كان على الميّت ديون أخرى تحاصصَ الوقفُ في الأجرة مع الغرماءِ، وينبغي على الورثة أن يعيّنوا ناظرًا يتولّى الوقف، ويعمل على استثمار هذه الأرض بالكراءِ، ويكون له أجرة المثل، فيجوز له إكمال بناء الدور الثاني، ثم يستوفي ما دفعه في بنائه من ريع الوقف بعد ذلك، ولا يجوز بيع المنزل؛ لأنّه يؤدي إلى انقطاع الوقف، وأما ريع الوقف فيصرف في مثل الجهة التي نص عليها المتصدّق، وهو الصدقة بريع الأرض على الفقراء والمساكين والمحتاجين من طلبة القرآن؛ لأن هذا في معنى ما أوصى به المتصدق، وهو إطعام الطعام، كما ينبغي على الورثة أن يقوموا بتوثيق الوقف بمعرفة العدول مثل محرري العقود وغيرهم ويشهدوا عليه جماعة من أهل القرية، حتى لا يندرس ويضيع، وأما ما يتعلق بنصيب الزوجة من التركة عند عدم وجود الأبناءِ فهو الرّبع؛ لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) [النساء: 12]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26// ربيع الأول// 1441 هجرية
24 // 11// 2019م