طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

الحبس على الذكور دون الإناث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5846)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة تحبيس ما نصه: “أشهدنا على نفسه الحاج م ع ف أنه حبس ووقف على أولاده الذكور وهم ع وص وهـ ول، (وش  وأ -أبناء ابنه المرحوم ح-) أخماسا بينهم لكل واحد من أولاده خمس، وما بين أبناء ابنه المذكور خمس، مشتركة بينهما أنصافا، وذلك التحبيس في جميع ما سيذكر… وذكر حدود السواني المحبسة ثم قال: ثم على عقب العقب ذكورا دون الإناث طبقة بعد طبقة ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام… ومن ماتت فلا شيء لورثتها… فإن انقرض الذكور رجع للإناث من بنات المحبس وبنات أولاده الذكور وأولاد أولاده إلخ… ومن ماتت فلا شيء لورثتها… فإن انقرض البنات المذكورات رجع حبسا على زاوية الشيخ سيدي إبراهيم أبي ناصر حبسا مؤبدا… واستثنى في نفسه ربع غلة ما ذكر يستغله مدة حياته فإذا توفي لحق بالحبس المذكور وأذن المحبس المذكور للمحبس عليهم المذكورين في قبول ما ذكر وحوزه لأنفسهم وللعقب… قبولا تاما بصيغته المعهودة لأنفسهم وللعقب وحازوا (بالفعل المعتبر)…”، فهل يمضي الحبس المذكور؟، وهل من حق البنات من ورثة أبناء ابنه المطالبة بالانتفاع بنصيبهم من هذا الحبس؟ علمًا أن المحبس قد تُوفي وابنا ابنه صغيران، وما حكم من تصرف في بيع شيءٍ منه؟

الجواب:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالوثيقة المشار إليها تشمل التحبيس على الطبقة الأولى -أي الأولاد المباشرين- وأولاد الابن المتوفى الذكور دون الإناث، أما على الأولاد الصلبيين الذكور دون الإناث فهو محل اختلافٍ بين أهل العلم، والصوابُ الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائزٍ شرعًا؛ لقول النّبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتهم مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ‌﴿وَقَالُواْ ‌مَا ‌فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ﴾” [المدونة:4/423]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي:5/88]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ أَيْ الْوَقْفُ – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.

والحبس على الذكور دون الإناث من الطبقة الأولى خاصة، باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق؛ الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله، التي أيّدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، رقم (1) لسنة 1443هــ 2022م، بتعديل القرار رقم (1) لسنة 1435هـ 2014م بشأن الوقف المعقب، ونصّه: “1- التأكيد على ما جاء في فتوى دار الإفتاء السابقة، من إلغاء الوقف على الذكور دون الإناث والقانون الذي وافقها في هذا الخصوص.

2- بطلان هذا النوع من الوقف من تاريخ صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م، ويعمل بهذا القانون القاضي ببطلان عموم الوقف الذري، بالشق الخاص منه بالوقف على الذكور دون الإناث في الطبقة الأولى خاصة؛ لما فيه من الحيف والجور، دون غيره من الوقف الذري، الذي لا جور فيه؛ لأنه يدخل في أبواب البر.

3- إمضاء الوقف على الذكور دون الإناث الواقع قبل الإلغاء، إن حكم به حاكم؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.

4- تتم قسمة الوقف الذي حكم ببطلانه على ورثة المحبس الموجودين من الذكور والإناث وقت نفاذ القانون، بتاريخ: 24/ 04/ 1973م، ويعتبر المحبس كأنه ماتَ في هذا التاريخ، فمن مات أصله قبل سنة (1973م) وكان هذا الأصل أنثى؛ فإنه لا يرثُ، ولا يدخل في القسمة، ومن استحق شيئًا من الموجودين يوم إلغاء الوقف بمقتضى الفريضة الشرعية؛ ذكورًا وإناثًا، فله التصرف في نصيبه بالبيع والهبة ونحوه”.

وأما التحبيس على أبناء الابن الذكور فقط فجائز، وهو صحيح ماضٍ بشرطِ الحوز، والصغير المحجور عليه لا يشترطُ فيه الحوز الحسيّ، بل يكفي أن يحوز عنه الكبير، قال التوزري رحمه الله: “قال في المتيطية: ويجوز للأب أن يحبس على بنيه الكبار والصغار حبسًا واحدًا ويقبض الكبير لنفسه ولأخوته الصغار بتقديم الأب على ذلك” [توضيح الأحكام4/20].

عليه؛ فيبطل الحبس في الطبقة الأولى خاصة – وهم الأبناء للصلب – ويقسم ما يخصهم على ورثة المحبس جميعا، وذلك بتقدير موته بتاريخ: 24/ 04/ 1973م، فمن كانت حيّةً من بنات المحبس في التاريخ المذكور؛ فإن لورثتها المطالبة بنصيبها، ومن توفيت قبل هذا التاريخ؛ فليس لورثتها المطالبة به.

وما يخص أبناء الابن المتوفى قبل أبيه -وهو الخمس- فصحيح ماضٍ على الشرط الذي اشترطه المحبس، فإن انقرضُوا جميعًا رجع حبسًا على الزاوية المذكورة، ولا يجوز التصرف فيه بالبيع ونحوه، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//جمادى الأولى//14446هـ

17//11//2024م  

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق