طلب فتوى
الحدود و الجناياتالفتاوى

الدية والتعويض والتأمين في القتل الخطأ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3500)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

أنا المواطن (ط)، توفي أخي الشقيق (ج) في حادث سير في الطريق الساحلي، حيث اصطدمت به سيارة منحرفة من الطريق الأخرى، وأصيبت زوجته الحامل، وابنه البالغ من العمر سنة وشهرا، فهل من حقي المطالبة بالدية، وبتعويض عن سيارته، وبثمن علاج زوجته وابنه؟ وما هو مقدار الدية الشرعية؟ وهل من حق الولي أو الورثة التنازل عن الدية أو بعضها وفيهم قصر؟ وما حكم الاستجابة لطلب أهل الجاني بالتوقيع على التنازل حتى يتمكنوا من أخذ التأمين، الذي تدفعه شركة التأمين في مثل هذه الحالات؟ وما حكم التأمين على السيارات شرعا؟ علما بأن المتوفى طبيب في مصحة خاصة، ولا وظيفة له في الدولة.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنه يلزم القاتل بالخطأ الكفارة والدية؛ لقوله تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَّصَّدَّقُواْ) [النساء:92]، ولعدم وجود الرقبة يلزمه صيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:92]، ومقدار دية الرجل: مائة من الإبل؛ لحديث سهل بن أبي حَثْمة رضي الله عنه [أبوداود:4521]، وهي من خمسة أًصناف، قال اللخمي رحمه الله: “فالديةُ من الإبل إذا كان القتل خطأً أخماسًا: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعَة” [التبصرة: 64،63/13]، ولأهل المدن (4250) جرامًا من الذهب الخالص، أو ما يعادلها من المال، وذلك لما ثبت أن عمر رضي الله عنه فرض على أهل الذهب في الدية ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم [أبوداود:4252].

وقد نقل الترمذي وابن المنذر رحمهما الله الإجماع، على أن الدية في القتل الخطأ تكون مؤجلة على ثلاث سنوات، أي على ثلاث دفعات، في نهاية كل سنة دفعة، وفي المدونة قال الإمام مالك رحمه الله: “ليس يؤخذ في الدية إلا الإبل والدنانير والدراهم، قلت: ففي كم تؤخذ الدية في قول مالك؟ قال: في ثلاث سنين، قلت: من الإبل والدنانير والدراهم في ثلاث سنين؟ قال: نعم” [المدونة:567/4].

وإذا تم الاتفاق بين الطرفين على دفعها مالا بدلا من الذهب، فإنه تدفع مرة واحدة في مجلس الاتفاق؛ لأن التأجيل يترتب عليه التأخير في الصرف والوقوع في الربا؛ وصرف الذهب بالنقود يشترط فيه التقابض.

والدية في قتل الخطأ يدفعها عاقلة الجاني، والعاقلة: هم عصبة القاتل من قرابته؛ وتشمل الآباء والأبناء والإخوة وأبناء الإخوة والعمومة وأبناء العمومة وإن بعدوا، وكذلك أهل الديوان؛ لقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك في محضر من الصحابة رضي الله عنهم [الاستذكار:221/25]؛ قال ابن الحاجب رحمه الله: “والعاقلة: هي العصبة، وألحق بها أهل الديوان؛ لعلة التناصر …، ويبدأ بأهل الديوان، فإن اضطر إلى المعونة أعانتهم العصبة” [التوضيح:275/6]، والمقصود بأهل الديوان؛ مَن يشتركون مع القاتل في الوظيفة في أنحاء الدولة؛ قال الدردير رحمه الله: “الديوان: اسم للدفتر، يضبط فيه أسماء الجند وعددهم وعطاؤهم…، فيقدمون على العصبة، حيث كان الجاني من الجند، ولو كانوا من قبائل شتى” [الشرح الصغير:398/4]، فإن عجز عن سدادها أهل الديوان والعصبة، ففي بيت مال المسلمين [التوضيح:276/66].

وإذا كان بعض الورثة غير بالغين، فلا يجوز لوليهم التنازلُ عن حقّهم في الدية، أو الرضى بمبلغ زهيد؛ لأنه من تضييع حقوقهم، قال الدردير رحمه الله: “ولا يعفو الولي في عمد أو خطأٍ مجانا، أو على أقل من الدية” [الشرح الكبير:301/3].

والتعويض المدفوع من قبل التأمين ليس بطيب؛ ولا يجوز أخذ شيء منه، ومن أخذه فعليه أن يتخلص منه في مصالح المسلمين العامة؛ لأن عقد التأمين من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي، وما يأخذ، وهو من المقامرة التي حرمها الله عز وجل، وعليه؛ فلا يجوز لولي القتيل التنازل عنه لأهل القاتل؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان.

ويجوز للمرأة المتضررة وولي الطفل مطالبة الجاني بثمن العلاج، عن الإصابات التي وقعت بسببه، وكذلك قيمة الضرر اللاحق بالسيارة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد محمد الكوحة

أحمد ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03/جمادى الآخرة/1439هـ

19/فبراير/2018م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق