بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1889)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
استولى الشكّ والوسواس على قلبي منذ فترة، عند قولي للفظ “ربي لا تظلمني”، فوسوس إليّ الشيطان بأني قد كفرت بهذه اللفظة، فاغتسلت ونطقت بالشهادتين، وبعدها زادت هذه العملية، فزُرع الشك والوسواس في قلبي، وثقلت عليّ العبادة، ونازعني وسواس كبير في قلبي عن يوم القيامة، ولكني لم أتلفظ بشيء بنكرانه، وإنما هي كالحوارات النفسية، ثم وسوس لي الشيطان في صحة إسلامي، وبأني لست مسلما، فبدأت لا أنطق بالشهادتين أثناء التشهد في الصلاة، وأنا شاك في إسلامي لتلفظي بسب الله تعالى في صغري، وكنت لا أعلم أن هذا كفر، ولكني أقلعت عنه تماما، فما حكم مايحدث لي وماذكرت من كلمة أني كافر؟ وحكم شكي في يوم القيامة مع أني لم أتلفظ بشيء؟ وماحكم شكي في إسلامي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالسبيل لعلاج الوساوس والتخلص منها؛ هو أن تعرض عنها، ولا تلتفت إليها، ولا تهتم بها، بل تجاهلْها، واستعذ بالله تعالى منها، فإنها لاتضرك، ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً؛ فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}) [الترمذي:2988]، وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، إنّ الشيطَانَ قدْ حالَ بَينِي وبَينَ صلَاتِي وقِراءَتي يُلبّسُها عليّ، فقَال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا)، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي [مسلم:1728/4]، وكراهتك لهذه الوساوس وخوفك منها، دليل إيمانك، فلا تخف، ولا تخش على إيمانك، ما دمت خائفا مما يحصل لك، وتتمنى أن تتخلص منه، ويرفعه الله عنك، ومن رحمة الله بعباده أنه تبارك وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقد شكا بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حدوث مثل هذا لهم، وأن ما يأتيهم شديد عليهم، إلى درجة أنهم لا يقدرون على إعادته والتكلم به؛ لشناعته، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك صريح الإيمان)، أي خوفكم منه دليل إيمانكم فلا تقلقوا، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِى أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) [مسلم:430/1].
والإعراض عنه وعدم الالتفات إليه مع التعوذ منه هو الوسيلة الناجعة لعلاجه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14/جمادى الآخرة/1435هـ
2014/4/14م