الضابط في درجة خطورة الصوم على مريض السكري
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5544)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن مجموعة من الأطباء المتخصصين في علاج مرض السكري، وبناءً على تقييم المختصين وتقسيم درجة الخطورة لمريض السكري عند صيامه حسب عدة عوامل؛ منها العمر ونوع المرض والعلاج ووجود أمراض مصاحبة، وضعوا مقياسًا موحدًا لحساب معدل الخطورة بجمع النقاط، وقسموا المرضى إلى ثلاثِ فئاتٍ كالتالي:
الأولى: فئةٌ الخطورةُ فيها عالية، والنقاط فيها أكثر من (6) وهي من يغلبُ على الظنِّ حصول مضاعفاتٍ خطيرة في حالِ صيامهم.
الثانية: فئةٌ الخطورة فيها متوسطة، والنقاط فيها من (3) إلى (6)، والاحتمال فيها متوسطٌ لحدوثِ مضاعفات.
الثالثة: فئةٌ الخطورة فيها منخفضةٌ، والنقاط فيها من (0) إلى (3)، وهي ذات الاحتمال الضئيلِ لحصولِ مضاعفات.
نتقدم إليكم بطلب الحصول على فتوى مفصلة وشاملة، فيما يخصُّ صوم مريض السكري في شهر رمضان، ومتى يجوز له الفطرُ حسبَ هذا التصنيف؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الضابط في المرض الذي يبيح لصاحبهِ الفطرَ في نهار رمضان، هو ما يحصل لصاحبه معه المشقةُ والجَهدُ عند الصيام، أو ما يعرفه بالتجربة مِن نفسه، أو بإخبار طبيبٍ حاذقٍ أنَّ الصومَ يزيدُ مرضَه أو يؤخرُ برأهُ، ويجبُ عليه الفطرُ إذا كان يخافُ على نفسهِ بسببِ الصوم هلاكًا، أو فقدَ حاسةٍ من حواسهِ، وذلكَ لوجوبِ حفظِ النفسِ، قال الدردير رحمه الله: “(وَ) جَازَ الْفِطْرُ (بِمَرَضٍ خَافَ) أَيْ ظَنَّ لِقَوْلِ طَبِيبٍ عَارِفٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ لِمُوَافِقٍ فِي الْمِزَاجِ (زِيَادَتَهُ [أي المرض] أَوْ تَمَادِيهِ) بِأَنْ يَتَأَخَّرَ الْبُرْءُ وَكَذَا إنْ حَصَلَ لِلْمَرِيضِ بِالصَّوْمِ شِدَّةٌ وَتَعَبٌ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ [أي فالمشقة لا تبيح له الفطر] (وَوَجَبَ) الْفِطْرُ لِمَرِيضٍ وَصَحِيحٍ (إنْ خَافَ) عَلَى نَفْسِهِ بِصَوْمِهِ (هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى) كَتَعْطِيلِ مَنْفَعَةٍ مِنْ سَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لِوُجُوبِ حِفْظِ النَّفْسِ” [ الشرح الكبير:1/535].
ولمريض السكري مع الصوم حالاتٌ حسب التصنيف السابق:
الأولى: إذا كانت الخطورة منخفضة؛ بتراوح معدلاتها بين صفر إلى 3 نقاط، فالصوم حينئذٍ واجب، ولا يجوز الترخص بالإفطار، ما لم تحصل مشقة بالصوم، وما لم يحتج المريض لتناول الدواء أو الغذاء أو الماء، فإن احتاج إلى ما ذكر ومنعُه يسبب ضررا عليه فإنه يجوز له الفطر.
الثانية: إذا كانت الخطورة متوسطة؛ بتراوح معدلاتها بين 3 إلى 6 نقاط، فللمريض الصوم، بشرط مشاورة الطبيب والأخذ بإرشاداته، والمراقبة المستمرة من المريض لمستوى السكر في الدم، ولا يجوز له مخالفة الطبيب إذا أمره بالفطر.
الثالثة: إذا كانت الخطورة مرتفعة؛ بوصولِ معدلاتها إلى أكثر من 6 نقاط حسبما جاءَ في السؤالِ، وكانت هذه الخطورة يغلبُ على الظنّ أنها تؤدي إلى مضاعفاتٍ قد يهلك بها المريض، أو تعرضه لفقد حاسة من حواسه؛ فليس له الصوم في هذه الحال، بل يجب عليه الفطر؛ لوجوب حفظ النفس، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء:29].
وهناك أمر رابع قد يعرض للطبيب فيما يتعلق بالصوم، وهو أن كبير السنّ إذا شقَّ عليه الصوم بأن يشعر بالعطش أو الجوع ونحو ذلك، فيجوز للطبيب أن يأذن له بالفطر ولو لم يكن مريضا بالسكري، فإن كان به مرض السكري فيجوز فطره من باب أولى؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِين﴾ [ البقرة:184] على ما تأوله ابن عباس وغيره في الآية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29//شعبان//1445هـ
10//03//2024م