بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1431)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
حصل نقاش بيني وبين زوجتي ووالدها، فقلت له: “عليّ اليمين ماهي قاعدة في البيت”، فخرج بها والدها إلى بيته، وأنا لا أقصد إلا تلك الساعة التي حصل فيها النقاش، وبعدها بفترة كنت في حالة سُكر، فقلت لزوجتي: “أنت طالق”، وأنا أعي أني طلقت، وبعد ذلك حصل خلاف آخر، وكنت في حالة سكر، لا أعي ما أقول، فأُخبرت بعدها أني طلقت زوجتي في ذلك اليوم، وأنا الآن عازم على ردّ زوجتي، فما حكم الطلقات المذكورة سابقًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالحلف بلفظ اليمين في عرف بلدنا يعني الطلاق، فإذا لم يكن للحالف به نية غير الطلاق فإنه ينصرف بمقتضى العرف إلى الطلاق، أما إذا كانت له نية غير الطلاق، أو كان يقصد أمرًا مؤقتًا كحال السائل، فإنه يعمل بها؛ لأن النية مقدمة على العرف، أما الطلقة الثانية والثالثة التي طُلقت الزوجة بها في حال السكر، فطلاق السكران في حال غياب عقله، إن كان فيه نوع تمييز، فهو لازمٌ له، وإن كان السكران لا تمييز عنده، لا يعرف السماء من الأرض، ولا الرجل من المرأة، فهذا كالمجنون؛ لايلزمه طلاق ولا غيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود:4405].
قال الدردير رحمه الله: “إلا أن لا يميز فلا طلاق عليه؛ لأنه صار كالمجنون”[حاشيةالدسوقي:365/2]، وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ورواية محمد بن عبد الحكم في المذهب، واختيار ابن رشد والباجي، قال ابن رشد رحمه الله: “السَّكْرَانُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَسَكْرَانُ مُخْتَلِطٌ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، فيلزمه الطلاق في المذهب على الراجح” [البيان والتحصيل:258/4].
وعليه؛ فالسائل تلزمه طلقة واحدة فقط وهي رجعية، يجوز له فيها أن يرجع المرأة إن لم تخرج من عدتها بقوله “رجعت زوجتي”، ولا يحتاج إلى عقد جديد، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20/شوال/1434هـ
2013/8/27م