بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4462)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حدثت مشادة كلامية وشجار بين زوجتي وأخيها، بسبب موضوعٍ اجتماعي خاصّ، فتدخلتُ لإنهاء المشاجرة بينهما، لكن الأمرَ تطورَ إلى عراك بالأيدي وتَلَفُّظٍ بكلمات نابية، وفي أثناء المشاجرة قُلتُ لأخيها في لحظة غضبٍ شديدٍ: إنْ لم تُنهِ المشاجرة سوفَ أُطلِّق أختك، وكلامي كان لمجرد إنهاءِ النزاع، لكن المشاجرة استمرت؛ ونتيجةً لذلك؛ وبسبب ما تعرضتُ له من إساءةٍ وأذًى وإهانةٍ وألفاظٍ قبيحة مِن أخيها، وفي لحظةِ غضبٍ شديدٍ جدًّا قلتُ لزوجتي: أنتِ طالقٌ بالثلاثِ مرة واحدة، علمًا بأني لم أتلفظ بالطلاقِ من قبلُ، فما حكم الشرع فيما فعلتُ؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن العقل مناطُ التكليف والمؤاخذة بالأقوال والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعي ما يقول، ويقصدُ ما تكلم به، فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلق شديدَ الغضب وقتَ الطلاقِ، إلى درجة لا يعي فيها ما يقولُ، ولا يشعرُ بما صدر منه؛ فالطلاقُ لا يقع؛ لأنه صارَ في حكم المجنونِ فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يَفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ، خِلَافاً لِبَعْضِهِمْ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [بلغة السالك: 2/351].
وجمهور أهل العلم من علماء المذاهب الأربعة المشهورة وغيرها، على أنّ طلاقَ الثلاثِ في كلمةٍ واحدةٍ يلزمُ منه الثلاث، وحكى بعضهم الإجماعَ على ذلك، قال القرطبي رحمه الله: “قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى لُزُومِ إِيقَاعِ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ …” [تفسير القرطبي: 3/129]، وممن حكى الإجماع عليه؛ أبوبكر الرازي، والباجي، وابن العربي، وابن رجب الحنبلي.
عليه؛ فما دُمتَ مُدركًا لما حدثَ، متذكـرًا لما قُلتَ، فالطلاقُ واقعٌ، بانتْ به زوجتُك منك بينونة كبرى، ولا تحِلُّ لك إلا بعد زوج؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُو مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، أما إذا كنت وقت الغضب لم تشعر بما تلفظت به من الطلاق وإنما أخبرت به بعد ذلك فلا شيء عليك، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07//رمضان//1442هـ
19//04//2021م