بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5062)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
طلقت زوجتي عام 2018 م، وكنت في حالة غضبٍ شديد، لم أكن أعي معه ما أقول، ولم أدرِ أني أوقعت الطلاق إلّا بإخبارها لي، ثم في عام 2022 م. طلقت الثانية، وأرجعتها، ثم طلقتُ الثالثة، فهل يمكنني إرجاعها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المطلِّق إن بلغ به الغضب مبلغًا لا يعي معه ما يقول، ولا يشعر بما يصدر عنه، فالطلاق لا يقع؛ لأنه حينئذ في حكم المجنونِ فاقِدِ العقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتَلم، وعن المجنونِ حتى يَعقل) [الترمذي: 1423]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغلاقٍ) [أبوداود: 2193]، وقال الصاوي رحمه الله: “يلزم طلاق الغضبان، ولو اشتد غضبه.. وكل هذا ما لم يغبْ عقله، بحيث لا يشعر بما صدر منه، فإنه كالمجنون” [حاشية الصاوي: 449/1].
وعليه؛ فإن الطلاق الأول الصادر من الزوج عام 2018م. غيرُ واقع، ويكونُ الزوج بذلك قد طلقَ طلقتينِ فقط، فيجوز له أن يُرجعَ زوجته إن كانت في عدتها، أو ينكح نكاحًا جديدًا إن خرجتْ من العدة.
وعلى السائلِ وغيرهِ؛ أن يعلم أنّ أكثر أسبابِ الطلاق هو الغضبُ، والغضبُ جمرةٌ في القلب، يجبُ على المسلم أنْ يُطفئها، ولا يجوزُ له أن يستسلمَ لها ويشعلَها، حتى يفقدَ صوابهُ، ويرتكبَ المحذوراتِ، ومِن أكثر المحذوراتِ المترتبةِ على الغضبِ هذه الأيام الطلاقُ، الذي يترتبُ عليه هدمُ الأسرةِ وضياعُ الأولادِ، فالله سبحانه وتعالى جعلَ القوامةَ في البيت للرجال؛ لأنهم أقدرُ على أنْ يملكوا أعصابَهم، إذا عصفَتْ بالبيتِ الزوابعُ، وأن يَسُوسُوا البيتَ بما يقتضيهِ الشرعُ والعقلُ، لذلكَ كان المطلوبُ من الزوجِ إذا أغضبتْه زوجتهُ بكلمةٍ حركها الشيطانُ في نفسِها، أنْ يجيبَـها بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم للرجلِ الذي احمرَّ وجههُ وانتفختْ أوداجُهُ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ) [البخاري: 6115]، أي لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ لذَهَبَ غضبُه، أو يغير الحالَ التي هو عليها؛ إنْ كان قائما جلسَ، أو كان في البيتِ خرجَ منه، دونَ أن يستجيبَ شيطانُهُ لشيطانِها، فيصرخَ ويطلقَ مِن الطلاقِ ما لا يحصيهِ من العَدد، ثم بعدَ فواتِ الأوانِ، إذا جلسَ كما أمرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو توضأَ، أو خرجَ من بيتهِ؛ رجعَ له عقلهُ، وعضَّ أصابعَ الندمِ، فصار يبحثُ عمن يحلّل لهُ ويفتيهِ، فالحذرَ الحذرَ مِن الغضبِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: (قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، قَالَ: أَوْصِنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، كَرَّرَهَا عَلَيْهِ مِرارا) [البخاري: 6116]، وعن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ) [البخاري: 6115]، فالغضبُ مرضٌ، علاجُهُ هذه الوصفةُ المباركةُ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
04//جمادى الآخرة//1444هـ
28//12//2022م