بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5760)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا المواطن م ع، طلقت زوجتي في حالة غضب شديد، لم أشعر معه بما كنت أقول، وظننت أني قلت لها: “بري أنتِ طالق بالستين”، ثم لما جئت مع والدها لنسألها عن الذي وقع، أخبرتْنا أني قلت لها: “بَرّي طالق بالثلاثة”، فشكَّكَتْنِي في أمري، واختلط عليّ الحال، ولم أعد أتذكر جيدًا ما وقع لشدةِ غضبي، وأنا رجلٌ مصاب بالضغط، كثيرًا ما أغضب وأقول أشياء لا أتذكرها بعد ذلك، فهل يقع هذا الطلاق؟ علما أن لي منها ثلاثة أطفال. وقد طلقتُ قبلها مرتين، مرة في حياة والدِي، واستفتيتُه فيها، فأخبرني أن الطلاق غير واقع، وأخرى بعد وفاته، واستفتيت فيه أحد الفقهاء، فأخبرني أنه طلاقٌ رجعيّ، فأرجعتها، وهذه هي الواقعة الثالثة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالعقل هو مناط التكليف والمؤاخذة بالأقوال والأفعال، فإذا أوقع الزوج الطلاق بلفظه الصريح، وكان يعي ما يقول؛ فإن الطلاق يلزمه، ولو بلغ به الغضب مبلغا عظيما؛ لحديث خولة بنت ثعلبة امرأةِ أوس بن الصامت: (أنّها رَاجَعَتْ زَوْجَهَا، فَغَضِبَ، فَظَاهَرَ مِنْهَا، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ… فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الظِّهَارِ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالكَفَّارَةِ) [ابن ماجه: 2063]، فوقع منه الظهار رغم شدةِ غضبِه، ولم تسقطْ عنه كفارتُه، والطلاقُ في هذا مثل الظهار، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الغَضْبَانِ، وَلَو اشْتَدَّ غَضَبُهُ” [بلغة السالك: 351/2].
وما دام السائل يستحضر اللفظ الذي أطلقه بقوله: “طالق بالستين”، فلا معنى لقوله: لا أتذكر، أو: لم أكن واعيا؛ لأن ذلك علامةٌ على أنّه كان يدرك ما يقول وقت الطلاق.
والطلاق بقوله: “طالق بالستين” يقع ثلاثا، ففي الموطأ: (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ، فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ: طَلَقَتْ مِنْكَ لِثَلَاثٍ، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ آيَاتِ اللهِ هُزُواً) [الموطأ: 2021].
فسواء صدق ظن السائل بأنه قال: “بالستين”، أو صَدَق كلام الزوجة بأنه قال: “بالثلاثة”؛ فإن الزوجة في الحالين قد بانت منه بينونة كبرى، ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره نكاحَ رغبةٍ، ثم يطلقها أو يموت عنها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
05/ربيع الأول/1446هـ
2024/09/08م