بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5711)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تشاجرتُ مع زوجتي منذ سنوات، فطلقتها وأنا في حالة غضب شديدٍ وعدمِ إدراك، ولم أعِ ذلك حتى أخبرتني أني قلتُ لها وقت الشجار: “أنت طالق”، فأرجعتُها، وكنت قد طلقتها قبل ذلك وأرجعتها، والآن وقع خلافٌ بيننا فطلقتها بقولي: “أنت طالق”، فما هو الحكم الشرعي في الطلقة الثانية؟ وهل يجوز لي إرجاع زوجتي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن العقل هو مناطُ التكليف والمؤاخذة بالأقوال والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعي ما يقول، ويقصد ما تكلم به؛ فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلق شديد الغضب وقت الطلاق، إلى درجة لا يعي فيها ما يقول، ولا يشعر بما صدر منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنه صار في حكم المجنون فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوْ اشْتَدَّ غَضَبُهُ، خِلَافاً لِبَعْضِهِمْ، وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [بلغة السالك: 2/351].
وعليه؛ فإنْ كان الحالُ كما ذكر، من أن السائلَ لم يكن واعيًا حين أوقعَ الطلاق، ولم يشعر أنه طلقَ إلَّا بعد أن أخبرتْه الزوجة؛ فإنه لا يلزمهُ الطلاق الثاني، وإنما تلزمُه الطلقةُ الأخيرة، وهي الثانية في حقّه، وله إرجاع زوجته، بمجردِ قوله: “رجعتُ زوجتي لعصمتي”، ما دامتْ لم تخرجْ من العدة، وليعلم الزوج أن وقوعَ الطلاق وقت غضبه من عدمهِ متوقفٌ على صدق ما أخبرَ به، من عدم إدراكهِ لما وقع منه، من التلفظ بالطلاقِ في المرة الثانية، أما إن كان مدركًا حينها لما وقع منه من الطلاقِ؛ فإن هذه الفتوى لا تفيدُه؛ لأنها بُنيت على إخبارِه بعدم إدراكهِ، فإذا كان الواقعُ غير ذلك وكان مدركًا؛ فالطلاقُ لازمٌ له، والفتوى لا تصلحُ له، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
08//محرم//1446هـ
14//07//2024م