طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبة

العبرة في العقود بالمقاصد لا بالألفاظ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5585)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

طُلِب من والدي التنازلُ عن نصيبه في ميراث أخيه لبنات أخيه، فسأل الطالبَ عن أملاك أخيه، فأخبره أنه لم يبق له إلا سيارته ومرتبه في المصرف، حيث إنه باع بيت سكناه، وتنازل عن نصيبه في أرض بئر الأسطى ميلاد التي بأيديهم لبناته، وقد حزنها في حياته، فقال والدي: لا حاجة لي بما بقي من تركته، وتنازل سنة 2004م عن ما يرثه في أخيه لبنات أخيه، لكن أرض بئر الأسطى ميلاد أرض كبيرة، مساحتها مائة وخمسة وعشرون هكتارا تقريبا، كانت مغصوبة من الدولة، وعليها نزاع أمام القضاء، فتمكن الملاك من الحصول على حكم سنة 2001م، لكن لم يستطيعوا التصرف إلا في الجزء الذي كان تحت أيديهم مسبقا، وهو سبعون هكتارا، وخمسة وثلاثون هكتارا كانت مخصصة لمقبرة طرابلس الجديدة، وعشرون هكتارا لنادي الفروسية، فلم يستطع الملاك المطالبة بتنفيذ الحكم في باقي الأرض، خوفا من أن يسلبهم النظام الجزء الذي تحت أيديهم أيضًا، ثم في سنة 2006م خصصت ثمان هكتارات من أرض المقبرة لشركة الكهرباء، واستقطع عشر هكتارات للمقبرة، فرفع الملاك قضية للمطالبة بباقي الأرض المخصصة للمقبرة، وهو ثمانية عشر هكتارا، وحكم لهم بذلك سنة 2010م، ونصيب المتنازِل وإخوته هكتار وربع تقريبا، فطالب المتنازِلُ بنصيبه من حصة أخيه في هذه الأرض، ورضي البنات المتنازل لهن بذلك، فقسم الملاك الأرض بينهم بناء على ذلك بإجراء رفع مساحي، وحددوا حدود نصيب كل واحد منهم، لكن لم ينهوا إجراءات المقاسمة، نظرا لحدوث خلاف حول القرعة بين الملاك الآخرين، ثم توفي المتنازل سنة 2013م، وبقي الأمر على هذا الحال حتى سنة 2020م، عندما حصل خلاف مع شركة الخدمات العامة حول الأرض، وعُرض الأمر على النائب العام، ثم تحصل الملاك على أمر بالإفراج سنة 2023م، فهل من حق المتنازَل لهن المطالبة بنصيب المتنازِل من تركة أبيهن في هذه الأرض؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ هذا التنازل من قبيل الهبةِ، والقولُ قولُ المتبرعِ فيما أراد بمالِه، والعبرةُ بالمقاصد، لا بالألفاظِ، وقال مالك رحمه الله: “قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا” [الموطأ: 4/1095]، وقال البرزلي رحمه الله، بعد ذكر نقول في الإيداع والاسترعاء: “قُلْتُ: تَحْصِيلُهُ: إِنَّ عُقُودَ الْإِنشَاءَاتِ كُلَّهَا إِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِرْعَاءُ فِيهَا إِلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التُّقْيَة، وَإِنْ كَانَ مِنْ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْشِئِهَا، وَلاَ يَفْتَقِرُ لِمَعْرِفَةِ السَّبَبِ” [جامع مسائل الأحكام: 3/114].

فالذي يظهر من سؤال المتنازِل عن أملاك أخيه ابتداء، وحصرِ المتبقي منها في السيارة والمرتب، ومطالبته بنصيبه في جزء الأرض التي حكمت بها المحكمة سنة 2010، أنه لم يقصد التنازل عن نصيبه من تركة أخيه في هذه الأرض، التي ظهرت، ولم تكن تحت أيديهم وقت التنازل؛ لأن العبرة في العقود بالمقاصد، قال ابن عظوم القيرواني رحمه الله: “وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ قَبُولُ قَوْلِ الْمُتَبَرِّعِ فَيمَا قَصَدَ بِتَبَرُّعِهِ” [الأجوبة: 6/211].

عليه؛ فلا حق للبنات في المطالبة بالنصيب الذي ظهر لعمهنّ من هذه الأرض، بل هو من حق ورثة العمّ، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

06/شوال/1445هـ

15/04/2024م 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق