الفصل بين الذكور والإناث في الدراسة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2534)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نحن الموقعين أدناه، أولياءُ أمورِ الطلبة بتاجوراء، نطلبُ منكم الحكمَ بيننا، في النزاع القائم مع مكتب التربية والتعليم بتاجوراء، حولَ آليةِ تنفيذِ قرارِ وزيرِ التربيةِ والتعليم، بفصل الذكور عن الإناثِ في المؤسساتِ التعليمية، والذي ينصّ على ذلك بحسبِ الإمكان، وبالتشاورِ مع أولياء أمور الطلبةِ ومديري المدارسِ، لكن مكتب تاجوراءَ يصرُّ على جعلِ كلٍّ مِن الجنسين في مدرسةٍ مستقلة، وذلك بنقلِ طلبة في الصف الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع، إلى مدارسَ أبعدَ عن محلّ سكناهم، يصل بُعد بعضِها إلى أربعة كيلومترات، مما يتسبب في إثقالِ كاهل أولياءِ الأمور بتأجيرِ سياراتٍ لنقلهم؛ لأن مشيهم على الأقدامِ فيه مشقةٌ وخطرٌ عليهم؛ بسبب صغرِ السنّ، والأوضاع الأمنية، ونرى نحنُ أولياء الأمور أن الأنسبَ أن يتم الفصلُ بين الجنسين فصلًا كاملًا في المدرسة الواحدة؛ في الفصولِ والساحاتِ والمدرسينَ، كما هو الحال في ثانوية (أبوراوي) الشرعية بتاجوراء، علمًا بأن مكتبَ التفتيش عارض عمليةَ النقل بشدة، ولكن لم يُلتفَت إليه.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الاختلاطَ المتكرر المتواصل غير العارض، على النحو الموجودِ عند الناس اليوم؛ في المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية الأخرى، هو مِن الاختلاطِ المحرم؛ لما فيه من التعرضِ للفتنة؛ ولأنه يتعذر معه غضُّ البصر المأمور به شرعًا، ولهذا لمّا رأت عائشة رضي الله عنها تغيّر أحوال النساء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهُنّ المسجد) [البخاري:831،مسلم:445]، هذا في زمن عائشةَ رضي الله عنها، فما بالك بالناس اليوم.
فالواجبُ على ولاة الأمر والمسؤولين العملُ على وضع الآليات والأسس اللازمة؛ لفصل الذكور عن الإناث، في المدارس والمعاهد والجامعات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول، فالإمامُ راعٍ وهو مسئولٌ، والرجلُ راعٍ على أهله وهو مسئولٌ، والمرأة راعيةٌ على بيت زوجِها وهي مسئولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول) [البخاري:5188،مسلم:1829]، وقال – أيضا – صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) [البخاري:7150، مسلم:142].
والأصل أن يكون الفصل تامًّا، بحيث يكون لكل جنس مدرسته الخاصة به؛ مدرسة للبنين ومدرسة للبنات، فإذا تعذرَ ذلك أو تعسر، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية؛ كما ذكر في السؤال، فيرجع في علاج ذلك إلى جهات الاختصاص، وهي وزارة التربية والتعليم، للنظر في ما يحقق المصلحة الراجحة ويدفع المفسدة.
وقرارُ الفصل بين الذكور والإناث في الدراسة قرارٌ صائبٌ موفَّقٌ، تُشكرُ عليه وزارة التعليم في حكومة الإنقاذ الوطني، وقد دعت إليه دارُ الإفتاء وزاراتٍ سابقةً للتعليم مراتٍ عديدةً، ولم تجد آذانًا صاغية، فينبغي لولاةِ أمورِ الطلبة والطالبات التعاونُ مشكورين مع هذا القرار الموفَّق، حتى لو تحمَّلوا بعض المشاقّ في تطبيقه؛ لأنه يؤسس لمرحلة جديدة للتعليم في بلادنا، طالما تطلّع إليها الشعب الليبي المسلم؛ لما فيها من طاعة الله ورسوله أولًا، ثم وضع حد للتدهور الأخلاقي، والانحرافِ الناشئ عن الاختلاطِ في المدارس والجامعات، الذي ارتفعت نسبة الشكاوى منه في الآونة الأخيرة، وفق الله الجميع، والله تعالى أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18/ذو القعدة/1436هـ
02/سبتمبر/2015م