بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4646)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أصابني أنا وزوجتي الأولى وأطفالي الفيروس المنشر “كورونا” -عافانا الله والأمة الإسلامية منه- ومكثتُ عند زوجتي الأولى أسبوعينِ، ولم أذهب لزوجتي الثانية؛ حفاظًا عليها من المرض، فهل يجب عليّ أن أعوضها في ما فات من المبيتِ، بأن أبيت عندها بقدر ما بت عند زوجتي الأولى؟
الجواب:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الأصل في القسم بين الزوجات هو وجوب العدل بينهن في المبيت؛ والمعاشرة بالمعروف بحسب الإمكان، من غير ميلٍ ولا جورٍ؛ لأن الله شرط للتعدد العدل، قال الله تعالى:(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [النساء:3]، ولقول الله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19]، ولا يشترط في وجوب العدل في المبيت الوطء، وإنما المقصود منه إذهاب الوحشةِ وحصول الأنس بالزوج، قال خليل رحمه الله: “إِنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعًا أَوْ طَبْعًا”[مختصر خليل:110]، بل ويجبُ على الزوج أن يعدل بين زوجاته، حتى ولو كان مريضًا، إلا إذا كان مريضًا بمرض شديد، لا يستطيع معه القيامَ والانتقالَ من محله لمحلّ الأخرى، قال عليش رحمه الله: “(وَ) يَجِبُ الْقَسْمُ فِي الْمَبِيتِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (عَلَى) الزَّوْجِ (الْمَرِيضِ) الَّذِي يَسْتَطِيعُ الِانْتِقَالَ مِنْ مَحَلِّ إحْدَاهُمَا إلَى مَحَلِّ الْأُخْرَى فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ) الْمَرِيضُ الطَّوَافَ عَلَيْهِنَّ لِشِدَّةِ مَرَضِهِ (فَ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ وَيُقِيمُ (عِنْدَ مَنْ شَاءَ) الْمَرِيضُ الْإِقَامَةَ عِنْدَهَا مِنْ زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ لِرَأْفَتِهَا بِهِ فِي مَرَضِهِ” [منح الجليل:3/536].
والإصابة بالفيروس المذكور “كورونا” تختلفُ مِن شخص لشخص، فقد يصابُ بها الشخص ويمكنه معها – أي الإصابة – الحركة، والتعامل معاملة الشخصِ العاديّ، فهذا يتأتى منه العدلُ المطلوب شرعًا، بحيث يستطيع القسم بين زوجاته بالمبيت، الذي هو الأنس وإذهاب الوحشة، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وقد يصابُ بها الشخص ولا يستطيع معها الحركة والتعامل مع غيره.
عليه؛ فإن كانت الإصابة بالفيروس المذكور مِن قبيل النوع الأول، ممن يمكنه التحرك والتعامل مع غيره باتخاذ الإجراءات الاحترازية، فهذا يعتبر صاحبه آثما؛ لمخالفته أمرًا واجبًا، وهو العدل في القسم، وعليه التوبة والاستغفار، وإن كان من قبيل النوع الثاني، ممن لا يمكنه التحرك والتعامل مع غيره، فهذا يعتبر صاحبه معذورًا، وفي كلتا الحالتين لا يُقضَى للمرأة الثانية من الليالي بمثل ما أخذت المرأة الأولى؛ لفوات زمنه؛ لأن المقصود رفع الوحشة في الوقت، فإذا وقع فلا يقضى لأنه يؤدي إلى نزول الوحشة بالأخرى، قال الدردير رحمه الله: “(وَفَاتَ) الْقَسْمُ (بِفَوَاتِ زَمَنِهِ) سَوَاءٌ فَاتَهُ لِعُذْرٍ أَمْ لَا فَلَا يُقْضَى، فَلَيْسَ لِلَّتِي فَاتَتْ لَيْلَتُهَا لَيْلَةٌ بَدَلَهَا (وَإِنْ ظَلَمَ) فَلَا مُحَاسَبَةَ لِلْمَظْلُومَةِ بِمَا مَكَّنَهُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا لِفَوَاتِ زَمَنِهِ”[الشرح الصغير:2/502]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//صفر//1443هـ
22//09//2021م