المتاجرة في الدولار
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2654)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم المتاجرة في الدولار، أو شرائه، لا لغرض توريد سلع للبلد، أو استعماله في تسديد رسوم، أو قضاء حاجة في سفر، أو نحو ذلك؛ وإنما لغرض المضاربة به في السوق، لارتفاع سعره، وللربح من خلال بيعه وشرائه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يخفى ما أدى إليه الارتفاع المتسارع للنقد الأجنبي في السوق الموازية، في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة، التي تمر بها ليبيا، تحت وطأة شح الموارد، وتعطيل تصدير النفط، وغياب أي محاولة جادة للعلاج من جهات الاختصاص، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي، مما أتاح للسماسرة والمضاربين القيام بعمليات مشبوهة؛ لتحريك مفتعل للسوق، بطرحِ كمياتٍ من العملة الأجنبية، ثم شرائها بكميات كبيرة، تزيد من هلع الناسِ، وخوفهم على أموالهم، فيشتد الطلب على العملة، ويتواصل ارتفاعها، ولهذا الارتفاع المفتعل تداعياتُه الخطيرةُ على الأسعار والسلع الضرورية، وأقوات الناس، وبالأخص أصحاب الدخل المحدود.
وبذلك يكون أعداء الوطن قد نقلوا المعركة؛ من ساحات القتال وميدان السياسة، إلى الاقتصاد ومحاربة العامة في قوتهم وضروريات حياتهم، مما لا صبر لهم على تحمله.
وبانهيار الاقتصاد، وعجز الناس عن قوتهم ومرتباتهم، التي حتى لو حصلوا عليها لن تغني عنهم شيئا، يكون أعداء الوطن قد وصلوا إلى ما أرادوه من الفساد.
عليه؛ فإن دار الإفتاء تبين للمواطنين الكرام ما يلي:
أولا: تطلب من جهات الاختصاص، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي، أن يقوم بالدور الواجب عليه شرعا؛ لحماية الدينار الليبي من الانهيار، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته)، وذلك بتوفير ما تتطلبه السوق من العملة الأجنبية، بأيّ سعر يراه المصرف يعالج المشكلة، ويضع حدًّا للمضاربات المفتعلة.
ثانيًا: تحذر الدار مَن يُضاربون في السوق، ويراهنون على زيادة سعر العملة، بأن هذا من الإثم العظيم والكسب الحرام الخبيث، الذي يعود على صاحبه بالهلاك والخسران والبلاء، في الدنيا والآخرة؛ لأنه من الضرر البالغ بعامة الناس، المؤدي إلى تآكل أموالهم وتضييعها والتعدي عليها بصورة شاملة، وهو مما يدخل في الفساد في الأرض، وقد نهى الله تعالى عن الفساد في الأرض بقوله: (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)، وقد توعد الله من أفسد ولم ينته بقوله: (ومأواه جهنم وبئس المهاد)، كما أن المضاربات لغرض ارتفاع الأسعار من النجش المحرم، الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (… ولا تناجشوا)، فمن احتاج لشراء العملة الأجنبية؛ ليقضي بها حاجته؛ كعلاج، أو تسديد اشتراك، أو رسوم، أو سفر، أو لشراء السلع وتوريدها للبلد، ونحو ذلك؛ جاز له الشراء، وجاز البيع له, ومن أراد أن يجعل شراء الدولار وبيعه لمجرد المضاربة به في السوق، لرفع الأسعار، فلا يحل له ذلك؛ لما فيه من معنى الاحتكار والإضرار بعامة الناس، وأكل مالِهم بالباطل، وجعل مالهم يفقدُ قيمته، فهو كمن يسرقه، وقد صح عند مسلمٍ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يَحتكِرُ إلَّا خَاطِئٌ)، أي: آثمٌ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
يـــعــتـمــد:
الصادق بن عبدالرحمن الغرياني.
مفـتي عام ليبيا
23/المحرم/1437 هـ
05/نوفمبر/2015م